Ruhin Juyin Juya Hali
روح الثورات والثورة الفرنسية
Nau'ikan
شاهدت بعد الاستيلاء على نوار موتيار، رجالا ونساء وشيوخا يحرقون أحياء، وشاهدت نساء وبنات يقل عمرهن عن خمس عشرة سنة يقتلن بعد انتهاك أعراضهن، وشاهدت أولادا يبقرون بالحراب ويطرحون على الألواح بجانب أمهاتهم.
وقد نشرت في ذلك العدد شهادة لجوليان ذكر فيها كيف كان كاريه يكره ضحاياه على حفر قبورهم ليدفنهم فيها أحياء، وجاء في عدد 15 من أكتوبر سنة 1794 من تلك الجريدة تقرير لميرلان دوتيونفيل أثبت فيه أن ربان سفينة ديستان تلقى أمرا بأن يحمل عليها إحدى وأربعين ضحية «منها ضرير بلغ الثامنة والسبعين من عمره، واثنتا عشرة امرأة، واثنتا عشرة بنتا، وخمسة عشر صبيا، وخمسة أطفال - ويغرقهم»، وورد في عدد 30 من سپتمبر أن محاكمة كاريه أثبتت «أنه أمر بقتل النساء والولدان إغراقا ورميا بالرصاص، وأنه أوصى القائد هوكس بإبادة سكان ڤانده وإحراق مساكنهم».
وكان كاريه يشعر بلذة عظيمة عندما يشاهد ضحاياه يتوجعون، فقد نشرت جريدة المونيتور في عددها الصادر في 22 سپتمبر سنة 1794 قول كاريه: «إنني لم أضحك في المديريات التي طارت فيها رؤوس رجال الإكليروس ضحكي عندما كنت أرى تقبض وجوه هؤلاء عند موتهم».
أقيمت الدعوى على كاريه إرضاء للردة التي حدثت في شهر ترميدور (الشهر الحادي عشر من السنة الجمهورية)، ولكن ما وقع في نانت من المذابح وقع مثله في مدن كثيرة، فقد أوجب فوشيه قتل ألفي نفس في مدينة ليون، وبلغ القتل في مدينة طولون مبلغا أصبح به عدد سكانها سبعة آلاف في بضعة أشهر بعد أن كان تسعة وعشرين ألفا.
ولجنة السلامة العامة هي التي كانت تحرض كاريه وفيرون وفوشيه وغيرهم على اقتراف المظالم، قال كاريه في قضيته:
أعترف بأنه كان يقتل كل يوم نحو مئتي سجين رميا بالرصاص، ولكن لجنة السلامة العامة هي التي كانت تأمر بذلك، وحينما كنت أخبر مجلس العهد بأن العصاة الموقوفين يقتلون بالمئات كانت قاعته تدوي تصفيقا فيأمر بنشر الخبر في الجريدة الرسمية، وماذا كان يفعل هؤلاء النواب الذين يتحاملون علي الآن؟ كانوا يصفقون لي، ولماذا كانوا يتركون لي وظيفتي؟ لأنني كنت منقذ الوطن، وأما الآن فأنا رجل سفاك! ...
ومما تقدم يظهر أن كاريه كان يجهل أن الذين سيروا مجلس العهد لم يزيدوا على ثمانية أشخاص، نعم إن كاريه استحق القتل، ولكن أعضاء مجلس العهد كانوا يستحقون القتل أيضا؛ لاستحسانهم ما وقع من المذابح، ويثبت لنا دفاع كاريه، الذي استند فيه إلى رسائل لجنة السلامة العامة، أن ما حدث أيام الهول من ضروب الاضطهاد نشأ عن خطة مدبرة لا عن مساع شخصية.
ولم تقض حاجة التخريب أيام الهول بقتل النفوس فقط، بل تناولت معاول الهدم الأشياء أيضا، ولم يكن في اعتداء زعماء الثورة الفرنسية على المباني والآثار الفنية، التي عدوها بقايا ماض ممقوت، ما يقضي بالعجب، فمتى قبض المؤمن الحقيقي على زمام السلطة فإنه يقضي على أعداء إيمانه وعلى التماثيل والمعابد والشعائر الدالة على المعتقد المنكوس، ومن الأمور المعلومة أن الإمبراطور تيودوز الذي انتحل النصرانية أمر بهدم أكثر المعابد التي أقيمت على ضفتي النيل منذ ستة آلاف سنة.
كسرت التماثيل والنقوش البارزة وزجاج النوافذ والتحف الفاخرة، وعندما أرسلت حكومة العهد فوشيه، الذي نال أيام ناپوليون لقب دوك وصار وزيرا في عهد لويس الثامن عشر، لينوب عنها في نيافر، أمر بهدم أبراج قصورها ونواقيس كنائسها، وقد تناولت يد الهدم القبور أيضا ، فقد جاء في تقرير بارير لمجلس العهد أن قبور الملوك الفخمة في سان دني، ومنها قبر هنري الثاني العجيب الذي صنعه جرمن بيلون، هدمت، وفرغت النواويس وأرسلت جثة تورين إلى المتحف كشيء نادر بعد أن اقتلع أحد الحراس أسنانها ليبيعها، وقد نتف شارب هنري الرابع ولحيته.
إن رضى أرباب العقول النيرة عن تخريب ميراث فرنسة الفني أمر محزن، ولكننا إذا ذكرنا أن أسوأ المظالم ينشأ عن المعتقدات القوية، وأن رجال الفتن كانوا يهجمون على مجلس العهد في كل يوم فيكرهونه على الخضوع، رأينا في ذلك معذرة، ولا تدلنا قصة هذا التخريب على ما للتعصب من القوة فقط، بل تدلنا، أيضا، على ما يؤول إليه أمر المطلقين من الزواجر الاجتماعية وأمر الأمة التي يقبض هؤلاء على زمامها.
Shafi da ba'a sani ba