Ruhin Juyin Juya Hali
روح الثورات والثورة الفرنسية
Nau'ikan
وقد فصلت نفسية رسلنا السياسيين الدينية في الوقت الحاضر في مقالة نشرت في إحدى الجرائد الكبيرة، جاء في هذه المقالة التي تمس أحد وزرائنا السابقين: «يسألون عن الفرقة التي ينتسب إليها مسيو فلان، هل هو من فرقة الملحدين؟ فيا للسخرية! ... نسمع، مع عدم اختياره أي إيمان وضعي ولعنه رومة وجنيڤ أنه يجحد بالعقائد التقليدية، ويكفر بالكنائس المعروفة، فهو إن جعل الصفيحة هكذا ملساء فذلك ليقيم عليها كنيسته الخاصة التي هي ذات بدع أكثر من كل كنيسة، ولن تقل محكمته التفتيشية في شدة تعصبها وعدم تسامحها عن أشهر محاكم توركمادة». «وصرح بأنه لا يرضى عن حرية التعليم، وبأنه يطلب أن يكون التعليم زمنيا من كل وجه، وهو إن لم يقل بالإحراق فذلك لاضطراره إلى مداراة نشوء العادات والطبائع، وهو لعجزه عن قتل الناس يستعين بالقوة الزمنية للحكم على المذاهب كلها بالموت، وقد بلغت حرية الفكر فيه مبلغا جعله يقول إن كل فلسفة لا يرضى عنها مجرمة أثيمة موجبة للهزء والسخرية، وهو يزعم أنه اطلع على الحقيقة المطلقة، وأوجب اعتقاده هذا أن يعتبر كل من يخالفه غولا شنيعا وعدوا فظيعا. فمسيو فلان - كما يظهر - من أشياع آلهة العقل التي تشبه الإله مولك الظالم في تعطشها إلى القرابين البشرية». «ألا إن الأماني خلابة، وكم من أصنام حطمت منذ بضعة قرون تمهيدا للسجود أمام صنم حديث».
وبما أن سلطان العقل على المعتقدات الدينية قليل فقد أصبح من اللغو أن تجادل - كما يفعل بعض الناس - فيما للمبادئ الثورية والسياسية من القيمة العقلية، وتأثيرها وحده هو الذي يهمنا ، وسواء علينا أكذبت التجربة نظرية المساواة ونظرية الصلاح الفطري ونظرية تجديد المجتمع بالقوانين أم لم تكذبها. (3) النفسية اليعقوبية
اصطلحت على تعبير «النفسية اليعقوبية»، مع أنه لم يسبقني أحد إليه في أي تقسيم كان؛ لدلالته على نوع نفسي خاص.
فقد سادت هذه النفسية رجال الثورة الفرنسية، ولا تزال مؤثرة في سياستنا الحاضرة.
زعم اليعاقبة أنهم عاطلون من خلق التدين وأن العقل يسيرهم، وقد كانوا يستشهدون بالعقل أيام الثورة الفرنسية ويتخذونه هاديا مرشدا.
وقد رأي أكثر المؤرخين أن الروح اليعقوبية تنزع إلى المعقول، وذهب تاين إلى هذا الرأي الفاسد فعزا كثيرا من أعمال اليعاقبة إلى مغالاتهم في المعقولات، غير أنه جاء في بحثه عنهم بعض الحقائق التي تستحق النظر، فإليك بعضها:
لم تكن عزة النفس والعقل النظري بالشيء النادر عند البشر، ففي أي بلد نراهما، وهما مصدر الروح اليعقوبية، لا يفنيان، ومتى بلغ عمر المرء عشرين سنة فدخل معترك الحياة استحوذ الغم على عقله وزهوه فاعتبر المجتمع الذي نبت فيه حاجزا يحول دون تقدم عقله النظري، والمجتمع قد أوجدته الأجيال المتعاقبة على حسب احتياجاتها الكثيرة المتحولة، أي أنه لم يكن من صنع المنطق، بل من صنع التاريخ كما هو معلوم، ثم يهز ذلك المبتدئ كتفيه هازئا بهذا البناء الاجتماعي الهرم الذي لم يقم على نظام والذي يبدو عليه الرتق والترقيع.
انظروا إلى أحسن ما أنتجته قرائح أولئك الرجال، أي إلى خطب روبسپير وسان جوست وإلى مناقشات المجلس الاشتراعي الأول ومجلس العهد وإلى أقوال الجيرونديين والمونتانيار وإلى مناشيرهم وتقاريرهم تروا أنهم أتوا فيها بأكثر الكلام للتعبير عما يتطلب أقله، وأن تعقلهم كان يغرق في بحر طام من الألفاظ المفخمة، فاليعقوبي يسير وراء ما يدور في دماغه المتعقل من الأوهام والخيالات التي هي عنده أكثر من غيرها ولا يعبأ إلا بما توحيه إليه فيصرخ بين الناس كما يهتف في موكب النصر.
وإني، وإن كنت أعجب ببيان تاين، لا أعتقد أنه فهم نفسية اليعقوبي تماما.
فروح اليعقوبي الحقيقي - سواء أفي أيام الثورة الفرنسية أم في أيامنا - تتألف من عناصر يجب تحليلها لإدراك شأنها.
Shafi da ba'a sani ba