ولم تكن هي ولا أمها تنتظران بيرابو، فاندهشتا جدا لرؤياه. أما هو فإنه عانقهما عند وصوله بغاية الحنان، وأظهر لهما من التودد ما لم تكونا تعهدانه فيه، وفي يوم وصوله أخذ بيد امرأته بعد أن قاما عن المائدة، وخلا بها فقال: أصغي إلي فإني لا أجهل أنك تسيئين بي الظنون، وليس لك بي ثقة المرأة بزوجها، ولكني أتيت لأباحثك في شأن هرمين التي أحبها كما تحبينها أنت ... إني كنت أعلم من قبل فساد أخلاق فرناند الذي رمانا بهذه النكبة؛ ولذلك كنت أرفض مصاهرته، ولم أقبل به زوجا لهرمين إلا لما رأيته من رغبتك، وحذرا من أن أسوءك بهذا الرفض، فإن هذا الرجل التعس لم يرتكب فقط ما تعلمينه من خيانة لهرمين، بل إنه قد ارتكب ذنبا من أعظم الذنوب. أتعلمين ما كان مراده من زواج هرمين؟ إنه لم يتزوج بها إلا لينفق مهرها على خليلته التي أوصلت به إلى هذا الشقاء.
وكانت والدة هرمين لا تزال تحب فرناند، فقالت لزوجها: بالله كفى، ولا تحكم على هذا الشاب بمثل هذه القسوة. - إنك لا تعرفين شيئا بعد.
فقالت وهي تضطرب: وما عسى أن يكون قد طرأ أيضا؟ - إن فرناند في السجن.
ثم قص عليها جميع ما حصل لفرناند من اتهامه بالسرقة، ومن القبض عليه في منزل باكارا، ووجود الدراهم المسروقة عندها، ولما انتهى من هذه الحكاية قال: وستنشره الصحف بعد صدور الحكم، ولأجل هذا قد حضرت اليوم كي أطلعك على هذا النبأ؛ فإني أخشى أن تقف هرمين على جرم خطيبها بإحدى الصحف فتصاب بما لا ينجع فيه دواء، والآن لم يبق علينا سوى أن نطرد هذه الأفكار من مخلية هرمين، فإن المسمار يدفع المسمار، والحب الجديد يدفع الحب القديم.
فقالت تريزا والدموع تنهل من عينيها لما سمعته عن فرناند: ماذا تعني بالذي قلته؟ - أتذكرين حفلة الرقص الأخيرة التي حضرناها في وزارة الخارجية؟ - نعم، وماذا تريد بهذا السؤال؟ - أتذكرين أيضا الشاب الإنكليزي الذي عرفك به سفير إنكلترا، والذي رقص مع هرمين؟ - نعم، إني أذكره وإنه يدعى السير فيليام. - نعم هو ذاك. فاعلمي الآن أن هذا الشاب شريف الحسب حسن الأدب وافر الثروة، وقد علق بحب هرمين حين رآها في تلك الحفلة، وقد زارني مرتين بعد السفر كما ...
فقاطعته تريزا وقالت: إن هرمين متى أحبت رجلا فلا تحب سواه. - ولكنها متى علمت أن ذلك الذي تحبه قد خدعها وخانها بدناءة، ثم متى علمت أنه لص، فلا يبقى في قلبها أثر من حبه. فإذا رأت شابا شريفا جميلا، قد اجتمعت جميع الصفات الحسنة فيه يحبها، فلا يبعد أن تبادله هذا. - إنك قلت إن هذا الشاب يحب هرمين. - إنه يحبها كثيرا. - كيف يمكن أن يحبها، وهو لم يجتمع بها إلا مرة واحدة؟ - إن روميو أحب جولييت وهو لم ينظرها إلا نظرة واحدة. - شهد الله أني إذا لقيت رجلا يقدر أن يرد إلى ابنتي قلبها المسلوب أنطرح على قدميه، وأقول له: «رحماك أنقذ ابنتي مما هي فيه.» - وإن ذلك الرجل هو السير فيليام. - إذن يجب أن نعود إلى باريس. - لا حاجة إلى ذلك، بل هو يأتي إلى هنا، وإني سأكون من أسعد البشر إذا يسر الله هذا الزواج، فإن الرجل عريق النسب وثروته تقدر بالملايين، ولا أقرب من أن تحبه هرمين متى حصلت بينهما العشرة؛ لما هو عليه من الذكاء، وطيب الحديث، ووفرة الآداب، وما شاكل من كل ما تتوق إليه نفوس الأديبات.
وما زال بها حتى أقنعها، واتفقا على اتخاذ الوسائل اللازمة لتحببه إلى هرمين، ثم افترقا فدخل بيرابو إلى مخدعه، وكتب إلى أندريا ما يأتي:
أيها الصهر العزيز
لم أزل بامرأتي حتى أقنعتها، وأصبحت آلة بيدنا نديرها كيف نشاء، ولم يبق عليك سوى أن تسرع بالحضور، وأن تكتب لي قبل سفرك.
وقد وصلت هذه الرسالة إلى أندريا بعد خروجه من عند سريز، فخلا بكولار وقال له: إني مسافر الآن لأهتم بالملايين، وسأدعك أمام عدو هائل يجب أن تخافه. - ألعلك تريد به أرمان دي كركاز. - هو ذاك. - طب نفسا فسأراقبه. - إن فرناند بالسجن، ولا يمكن أن يخرج منه، فيجب أن تحرص الحرص الشديد على سريز وحنة. - لا تخشى من هذا القبيل. - بقي علينا عدو أشد هولا من الجميع، وهو ليون رولاند. - أتريد أن يموت؟ - هذا ما أرتئيه، أيستطيع نيقولا أن يقتله؟ - لا ريب فيه، ولكن كيف يقتله، وفي أي مكان؟ - إنك لا تزال أبله ضعيف الرأي، أيصعب عليك أن تدعه يذهب خارج باريس بإحدى الطرق؟ - لقد خطر لي فكر، وهو أن ليون يعتقد أني صديق له، وسأذهب به في الليل إلى بوجيفال بدعوى أني علمت أن سريز مختبئة هناك، ويكون نيقولا مترقبا حضورنا فنقضي عليه. - هذا فكر حسن، ولكن لا تفعل شيئا قبل أن أكتب لك.
Shafi da ba'a sani ba