فداخل سريز الريب، وقالت: إذا كنت لا تعرفين ليون، فإنك لا تعرفين شيئا من سر هذه الحادثة! - وماذا تريدين أن أعرف؟ - كيف؟ ألم يخبرك كولار أنه أتى بي إلى هنا؛ لأن حياة ليون خطيبي بخطر؟ فضحكت مدام فيبار وقالت: كولار قال لك ذلك؟ - نعم. - وهل صدقته؟
فارتاعت سريز وقالت: أليس ذلك بصحيح؟
فعادت مدام فيبار إلى ضحكها وقالت: حقا، إن كولار من أعظم المضحكين، كما أن هذا الحديث من أطرب المضحكات.
فجثت سريز على قدميها وتوسلت إلى تلك العجوز وهي تبكي وتقول: بالله إلا ما قلت لي أين أنا وما يريدون مني؟ - ذلك هين سهل، فإن أحد الأغنياء العظام رآك فأحبك وأنت تعلمين البقية. - ليس ذلك بصحيح.
ثم ذكرت بيرابو فقالت: بل هي الحقيقة بعينها، فإن رجلا وحشي الأخلاق حاول ... ولكن رجلا شابا قد أنقذني منه وسلمني إلى كولار ليوصلني إلى منزلي.
فضحكت ضحكا شديدا ثم قالت: هذا هو الفتى الذي أخبرتك عنه، وأنت الآن في منزله. فصاحت سريز صيحة يأس. (19) المستنطق
ندع الآن سريز، لنعود إلى فرناند الذي تركناه خارج غرفة باكارا، فنقول: إنه كان يسير بينهم وهو يخال أنه يحلم، إلى أن وصلوا به إلى الحديقة، ورأى الخدم تنظر إليه بغرابة واندهاش، فأيقن أنه في يقظة، ثم افتكر بما يتهمونه به، وأن لا يد له بهذه الخيانة، فثار الدم في عروقه وحاول أن يتخلص من الشرطة، ولكنهم كانوا ثلاثة أشداء فأحاطوا به وتغلبوا عليه، وكان يقاومهم كلما لاحت له فرصة، واشتدت عليه الذكرى فقال له رئيسهم: إنك فرد ونحن ثلاثة، فدفاعك لا يفيدك شيئا ولكنه يثبت جريمتك، وما يؤثر عليك أن تحاكم وأنت بريء كما تقول؟ فإذا صح ذاك وهو ما أتمناه لك، فإن المحكمة لا تلبث أن تطلق سراحك، ولا ينالك شيء من الإهانة.
فقنع فرناند مكرها، وسار معهم بغير دفاع حتى وصلوا إلى السجن فأدخلوه إليه، فلبث فيه ساعة وهو منهوك القوى فاقد الرشد، وكان يؤثر الموت على أن يتهم بسرقة، وهو مشهور عند الجميع بالنزاهة والعفاف، فكان يذكر باكارا، ثم الجنود، فالتهمة، فالسجن، فكتاب هرمين، وواحدة من هذه المصائب تكفي لأن تهيج أعظم الناس رشدا؛ فيزبد كما تزبد الجمال، ثم ينكس برأسه إلى الأرض متأملا بما أحاط به من الكوارث، ويرى أن كل ما مر به من الحوادث يثبت تلك الجريمة الهائلة، فيتهدد السماء بقبضته، ثم يجد أن كل ذلك لا يفيده، ولا يجد بابا لتبرئة ساحته فتصغر نفسه، ويسترسل إلى الدموع، ويبكي بكاء الأطفال، وكان يعود بعد ذلك إلى الافتكار بهرمين ، وكيف بعثت إليه بتلك الرسالة، وهو لم يجن ذنبا يستحق هذه الإهانة، فينسى موقفه وما هو متهم به إلى أن يفيق من غفلة تصوراته، ويرى نفسه منفردا في ذاك الحبس الضيق حبس المجرمين، فيفقد صوابه ويعود إلى ما كان عليه.
وكان يقول: إن مفاتيح الصندوق معي، وقد تركت الوزارة حاسر الرأس، وأنا أعدو في الشوارع كالمجانين، وبدلا من أن أعود وأرجع المفاتيح إلى رئيسي بقيت معي إلى أن فتشوني، وقد وجدوني عند مومسة كثيرة المطامع، فهل بقي ريب بأني اختلست هذه النقود لأنفقها في سبيل مرضاتها؟ ولكني لم أسرق شيئا والمفاتيح كانت معي، فكيف سرق هذا المال؟ بل كيف وجدت عند تلك المرأة؟ وإذا صح أن المال قد سرق فمن السارق؟ ومن أتهم وأنا المسئول؟ ومن يدافع عني وليس لي غير بيرابو الذي أصبح خصمي؟ إلهي أنت خلقتني بشرا وهذا فوق طاقة البشر. وفيما هو على ذلك دخل عليه شرطي، وذهب به إلى الاستنطاق، فاستنطق على ما يأتي:
قال المستنطق: أنت هو الذي يدعى فرناند روشي؟ - نعم. - إنك متهم بجرم هائل، وكل ما لدينا من الأدلة يثبت جرمك، فإن رئيسك قد اضطر في الساعة العاشرة من صباح أمس إلى الخروج، فنقلك إلى غرفته، وأتمنك على مفاتيح الصندوق، الذي تحقق بعد إثبات أمين الصندوق العام أنه كان يحتوي على ثلاثة آلاف فرنك ذهبا، وثلاثين ألفا قراطيس مالية. - لم يكن لي علم بهذا لأني لم أفتح الصندوق. - ولكن مفاتيحه كانت معك؟ - نعم. - وقد وجدوها في جيبك عند تفتيشك؟
Shafi da ba'a sani ba