وكان قلبها يخفق وهي موجسة أشد الخوف على أختها، إلى أن بلغت بها المركبة إلى ذلك المنزل، فطرقت الباب بيد ترتجف ففتح لها، ولما دخلت رأت الظلام سائدا ولم تجد أحدا، فقالت بصوت مرتفع: ألا يوجد بواب في هذا المنزل؟
وأطلت امرأة عجوز من أعلى السلم، وبيدها مصباح فقالت: من هذا؟ - إني أتيت لأرى مدام كوكليت، فهل هي هنا؟ - نعم أنا هي، اصعدي.
وصعدت سريز وقد اشتدت مخاوفها؛ لخشونة صوت تلك العجوز، ولما رأته من قذارة ذلك المكان، حتى وصلت إليها فقالت: سيدتي، إني أتيت من قبل أختي باكارا.
واستحال عنف العجوز إلى الرقة والحنان، وقالت لها: اتبعيني.
ثم فتحت بابا كان مقفلا، ودخلت منه في رواق طويل مظلم، حتى انتهت منه إلى غرفة ضيقة ليس بها من الأثاث غير مقعد قديم وكرسي طويل ومنضدة عليها قنديل من النحاس، وكل ما فيه كان يحمل على الريبة، ودخلت إليها، وقالت لسريز بصوت تكلفت فيه جهد اللطف: ادخلي أيتها الحبيبة.
وامتثلت سريز، وجعلت تراوح نظرها بين تلك الغرفة، ووجه تلك العجوز، وهي تستغرب كيف أن أختها التي تعيش بمنتهى البذخ والسعة يكون لها علاقة واتصال بمثل هذ المرأة وفي مثل هذا المنزل.
وقالت لها العجوز: إنك آتية من قبل باكارا؟ - نعم، إنها أختي. - حسنا، اجلسي. - سيدتي إن أختي قد كتبت لي أنه يجب أن أجيء إليك، وأني أنا وحدي القادرة على إنقاذها مما هي فيه. - هذا لا ريب فيه، اجلسي قليلا ريثما يأتي الذي سيحدثك بشأنها، فقد آن له أن يحضر.
ثم وضعت المصباح الذي بيدها على المستوقد، وخرجت قبل أن تدع وقتا لسريز أن تسألها وأوصدت الباب.
وجلست سريز وهي عرضة للانذهال، وكانت تنظر إلى تلك الغرفة، وتتصور تلك العجوز، وتتذكر رسالة باكارا، وتتأمل بذلك السكون السائد في هذه الغرفة التي لم يكن يسمع بها غير دقات الساعة وخفقان قلبها، وكادت تجن من الخوف، ولم يطل انتظارها إلى الساعة العاشرة حتى سمعت حركة من ورائها، والتفتت فرأت بابا من الورق لم تكن نظرته قبل قد فتح ودخل منه رجل وأوصد الباب من ورائه، ثم دنا ومد إحدى يديه إليها للسلام بمنتهى البشاشة، ورفع بالثانية قبعته التي ظهر من تحتها تجعد جبينه، ولم تزدها هذه البشاشة غير قلق، ورجعت خطوة إلى الوراء، وهي تقول: أأنت هو الرجل الذي أنتظره؟ - نعم.
ثم أخذ بيدها وقال لها: تفضلي بالجلوس لنتحدث.
Shafi da ba'a sani ba