فقال وقد احتدم غيظا: إني عندما تزوجت بك على هذا الحال، كان لك ولد لا تعلمين ولا يعلم الناس أباه، والآن ما لنا ولهذا الجدال، أتريدين أن أصادق على هذا الزواج؟ قولي فإن ذلك منوط بك.
فمسحت تريزا دموعها، وقد عزمت على أن تقاومه إلى النهاية فقالت: قل ماذا تريد أن أفعل؟
فجلس أمامها وقال: اسمعي ماذا يجب أن تفعليه، إذا كنت تطلبين هذا القران، إنه يحق لك حسب اتفاقنا أن تهبي ربع ثروتك البالغة مائة ألف فرنك إلى ابنتك هرمين، وأن تدعي الباقي لي أو لأولادي، فإذا كنت تتركين حقك من هذا المال إلى ابنتنا الشرعية رضيت بزواج هرمين ...
فقاطعته تريزا وقالت: كلا، فإني لا أؤثر أحدا من أولادي على الآخر، وما ميزت الأمهات على البنين.
فأجابها ببرود: إذا فلندع هذا الحديث، فإني اعترفت عند قراننا أن هرمين هي ابنتي الشرعية، ولا حق للابنة أن تتزوج بغير رضى أبيها إلا متى بلغت سن الرشد، وهي الآن دون هذا السن وأنا لا أصادق على قرانها. - ليكن ما تريد، أما نحن فسننتظر، ويسوءني أنك ستضطرني إلى أن أبوح لابنتي بكل شيء من أمر ماضي حياتي، وأن أذوب أمامها من الخجل.
وفيما هي تقول ذلك فتح الباب، ودخلت هرمين فطوقت عنق أمها بذراعيها وهي تقول: أماه ، إنك من أشرف النساء، ولم ترتكبي إثما تخجلين به أمام ابنتك، وإني أسألك المعذرة فقد سمعت كل حديثكما، وعلمت نبلك وقداسة قلبك.
ثم تركتها ونظرت إلى بيرابو، وقالت: إن أمي لا تريد أن تجردني من حقي من مالها، ولكن يحق لي أن أرفض هذ الحق، ولذلك أقبل بما اقترحته عليها. ثم انحنت أمامه بتهكم، ومشت إلى الباب ونادت: فرناند، فرناند.
ولما أتي أخذته بيده وقالت له أمام بيرابو: ألا تقبل بي امرأة لك يا فرناند بغير مال؟ (7) كولار
في اليوم الثاني من اتباع باكارا لفرناند، أي يوم الأحد صباحا، كان كولار الذي عرفناه بزعيم عصابة السير فيليام يسير سيرا سريعا في شارع أنتين إلى أن بلغ إلى شارع النصر، فمال منه إلى بستان كبير، قائم في وسطه قصر شاهق بناه أحد الأغنياء الإنكليز، فأقام فيه زمنا ثم سافر وترك فيه خادما له، وقد سمح له أن يؤجره وينتفع بريعه.
وكان قد استأجره السير فيليام حين رجوعه إلى باريز من لوندره، ولا بد لنا أن نذكر شيئا من سابق حاله في هذه المدينة التي أقام فيها زمنا طويلا على سعة من العيش وخصب من الحياة، نقول: إنه كان معروفا في لوندره أنه من الأشراف ذوي الثروة الواسعة، وهو في الحقيقة رئيس عصابة من اللصوص، وكان يسمي نفسه البارون فيليام، وقد حلق شاربيه كي لا يعرف، فكان يدخل إلى أحسن البيوت، وله عشرة من أشراف العائلات، وقد جمع كثيرا من المال من مهنته اللصوصية، أنفق معظمه على البذخ والإسراف، ثم غادر البلاد الإنكليزية بغتة، ولم يعلم أحد من معارفه علة هذا الرحيل الفجائي؛ فكثرت الأقاويل، وتواترت الظنون، وأشيع عند الأكثرين أنه كان متلبسا بلقب البارون، وأنه كان لصا سافلا، وأنه كان تلياني الأصل وإن كان يحسن الكلام باللغة الإنكليزية كأبنائها، فعندما عاد إلى باريس أطلق شعر شاربيه، وصبغ شعره بصبغة سوداء، وقد تغيرت ملامحه بعض التغيير، فساعدته تلك الصبغة على الخفاء.
Shafi da ba'a sani ba