وعادت باكارا وقد كادت تشرف على هذا الخطر الذي كان ينذر المركيزة، بحيث تكفيها كلمة واحدة لإماطة الحجاب عن هذا السر الخطير.
30
وفي اليوم التالي أظهرت باكارا لجميع عارفيها أنها عادت إلى حياتها السابقة وعادت عن توبتها، وذلك أنها خرجت مع صديقة قديمة لها من بنات الهوى الشهيرات، وتزيت بزيها وانطلقت تجول في المنتزهات المألوفة، ولم تغرب شمس ذلك اليوم حتى عرف جميع أهل المجون بهذا الانقلاب الغريب، أما باكارا فإنها عادت إلى منزلها واليأس ملء قلبها؛ لأنها خشيت أن لا تفوز بما تسعى إليه من الخير فتخسر سمعتها الصالحة، وتسقط إلى الحضيض، ولما دخلت إلى غرفتها أخبرتها الخادمة أن الفيكونت أندريا ينتظرها في القاعة. فاضطرب فؤادها عند ذكره وقالت لها: دعيه ينتظر. ثم أحضرت الفتاة الإسرائيلية فنومتها حتى إذا نامت دار بينهما الحديث الآتي، فسألتها باكارا: أتستطيعين أن تنظري ما وراء هذا الجدار؟
فقالت الفتاة النائمة: نعم. - إذن فانظري إلى قاعة الاستقبال وأخبريني من تجدين فيها.
فأجفلت الفتاة وهي مغمضة العينين وقالت: هو ... هو! - من هو؟ - الرجل الذي ينظر إلي ويخيفني. - أتقدرين أن تنظري إلى نفس هذا الرجل وتعلمي ما يجول فيها. - لا أجد غير الظلام، ولكنه يفتكر بأمور سافلة. - أيكرهني؟ - كما يكره الموت. - أيكره سواي أيضا؟ - نعم، نعم، أجد رجلا عالي القامة أسمر اللون، يكرهه أكثر مما يكرهك.
فعلمت باكارا أن هذا الرجل هو أخوه الكونت دي كركاز، فسألتها: أيفتكر بي الآن؟ - كلا. - ألعله يفتكر بالرجل الأسمر؟ - كلا. - إذن بمن يفتكر؟
فاضطربت الفتاة اضطرابا شديدا وقالت: إنه يفتكر بي أنا.
31
وكان أندريا قد هاله انقلاب باكارا الفجائي، وأمعن الفكرة في هذا الانقلاب؛ فلم يهتد إلى سبب، ولم يعلم مرادها منه، وقد بقي طول ليلته مفكرا مهموما تتردد في مخيلته ثلاث مسائل: أصدقت باكارا توبته؟ وهل توبتها صادقة وقد رجعت عنها بالظاهر كي تنقذ فرناند من مخالب الفيروزة، أم أنها عادت حقيقة إلى حياتها السابقة لما رأته من خيانة فرناند لامرأته؟
وقد كان يرجح هذا الفكر الأخير لاعتقاده أن الغيرة حملتها على نقض توبتها، ولكنه بقي مشككا في أمرها، وقال في نفسه: إنني سأزورها؛ فإذا كانت تريد حقيقة إنقاذ فرناند فلا بد لها أن تطلعني على قصدها كي أشاركها في إنقاذه، فإني أنا الذي أخبرها بهذا السر، وإذا كتمت عني ما تبذله من المساعي لا يبقى لدي ريب باحتراسها مني وعدم وثوقها من توبتي.
Shafi da ba'a sani ba