فأحنى روكامبول رأسه وهو يقول: مسكين أرمان دي كركاز.
أما أندريا فلم يحفل بكلامه، ولكنه قام فودعه على أن يراه بعد يومين، وذهب ليجتمع مع أخيه وباكارا في الساعة العاشرة، غير أنه بينما كان ذاهبا إلى منزل أرمان وهو يعد له وسائل الموت، كانت باكارا عائدة من ذلك المنزل وهي تعد لصاحبه وسائل الحياة.
21
لم نبسط في ما تقدم من فصول هذا القسم غير مقدمات تلك المكائد الهائلة التي أسس أركانها أندريا، ونحن آخذون الآن ببسط نتائج تلك المقدمات وسرد حوادثها العجيبة فنقول: في اليوم الثاني لاجتماع أندريا بروكامبول، كان فرناند روشي في منزل الفيروزة وقد جلس إليها يعرب عن غرام فؤاده، وهي تظهر له حبا أكيدا خالصا من شوائب الغايات، فتلفق له من حوادث ماضيها قصصا تلبسها حلة الازدراء، مبينة له فضائل الحب الصحيح، وكيف أنه إذا دخل إلى القلوب الأثيمة طهرها من الآثام، إلى غير ذلك مما كانت تجعله مقدمة لما ستنصبه له من حبائل دهائها، وكانت تقف معه موقف المشفق الحنون فتذكر له واجباته الزوجية، وتلتمس منه أن يسلوها ويعود إلى زوجته، فكان يصغي إليها إصغاء المفتون بجمالها، وقد شغل فؤاده هواها فأعماه عن دهائها بحيث بات يحمل نصحها على محامل الإخلاص الصحيح ، فتبدو لعينيه بمثال الفضيلة والكمال، ويقاطعها كلما ألحت عليه بالقبل الحارة.
فما زالا على ذلك إلى الساعة الثانية، وهو الموعد الذي عينه أندريا لروكامبول، فاقترحت عليه أن يخرجا للنزهة، فركبا مركبة وانطلقت بهما حسب أمرها إلى الشانزليزه.
وبينما كانت المركبة تسير بهما الهوينا وهما يتناجيان مناجاة الأطيار، إذ بصر بها فرآها قد امتقع وجهها وجعلت تضطرب كالريشة تقاذفها الهواء؛ فأجفل فرناند لمنظرها وقال: ماذا أصابك؟
فلم تجبه ولكنها نظرت نظرة إلى الطريق ثم غطت وجهها بيدها، فنظر فرناند إلى حيث تطلعت فرأى روكامبول ممتطيا جواده وهو يسير بإزاء المركبة ويبتسم للفتاة ابتسام الاحتقار، ولكنه حين رأى فرناند ينظر إليه رفع قبعته وحياه باحترام، ثم هنأه بسلامته من الجرح واندفع في محادثته على ما علمه أندريا وذكرناه في الفصل المتقدم.
وكان يتكلم والفيروزة مطرقة الرأس تتنهد، وفرناند مصغ إليه أتم الإصغاء، فلما فرغ من حديثه قال فرناند ببرود: طب نفسا أيها الصديق، فسترجع إليك جميع أموالك.
فقال له روكامبول بازدراء: لا حاجة لذلك، فإني أهب هذه الفتاة تلك الأموال.
فأجابه بعظمة: كلا، فإنها لا تقبل شيئا دون إذني.
Shafi da ba'a sani ba