279

Rocambole

الإرث الخفي: روكامبول (الجزء الأول)

Nau'ikan

وكأن أندريا قد علم ما يجول في خاطرها، فعاد إلى ذكر عشيقها فقال بلهجة الآسف: إنه يحب فتاة بغيا يلقبها الشبان بالفيروزة لصفاء عينيها، وهي تقيم في منزلك القديم في شارع مونسي.

فصاحت باكارا صيحة منكرة، وقد جحظت مقلتاها واصفر وجهها، فتكلف أندريا هيئة الحزن وجعل يقص عليها حوادث عشق فرناند كما أراد مبتدئا بجرحه على إثر المبارزة، وحمله إلى منزل تلك العشيقة، ثم أظهر لها كتابين بخط الفيروزة أحدهما إلى هرمين والآخر إلى رئيسة العصابة، فلما قابلت باكارا بين الخطين ورأت أنهما واحد أيقنت بصدق اكتشافه، ولكن قلبها كان يحدثها أنه خائن، وأن توبته ومظاهر نسكه خداع وتضليل، وأن يده هي التي ضربت هرمين وأختها سريز بغية الانتقام، ولكنها لم تظهر شيئا من ذلك بل تظاهرت بتصديقه لما يقول، وجعلت تراقب بعينيها النقادتين جميع سكناته وحركاته.

وبعد أن انتهيا من حديث العصابة قال لها: إن أخي الكونت أرمان يدعوك في الساعة العاشرة من هذه الليلة لنجتمع في منزله للمباحثة في هذا الشأن الخطير. فوعدته بالذهاب، ونهض أندريا يحاول الانصراف، وفيما هو يسلم عليها دخلت الفتاة اليهودية التي تقدم ذكرها ووقفت بإزاء باكارا، فنظر إليها أندريا نظرة فضحت سره لفرط إعجابه بجمالها، ولم يدر في خاطره أن باكارا تراقبه، فقبل يدها وانصرف وفي نفسه من تلك الفتاة اليهودية أشياء.

أما باكارا فرجعت بعد أن شيعته إلى الخارج وهي تقول: لقد كنت مشككة بك، أما الآن فقد أصبح الظن حقيقة لا ريب فيها، وقد ثبت لي أنك من الخائنين.

وسمعتها الفتاة تقول هذا القول فقالت: لقد صدقت يا أماه، فإنه نظر إلي نظرة جف لها قلبي وأذكرتني نظرات ذلك الشيخ الذي كان يزور أمي في تلك الليلة، فلم تنتبه باكارا لكلامها ودخلت إلى مخدعها، فكتبت إلى أرمان دي كركاز تسأله أن يقابلها في الساعة الثامنة بدلا من العاشرة، والتمست منه أن تكون هذه المقابلة سرية لا يعلم بها أحد، ثم ختمت الكتاب وأرسلته مع خادمها إلى الكونت، فذهب به وعاد بعد حين يحمل جواب الكونت بالإيجاب.

فلما حان الموعد أرخت على وجهها نقابا كثيفا وذهبت إلى الكونت، فألفته ينتظرها في قاعة منزله في الحديقة، ودار بينهما حديث طويل عن أندريا، فأظهرت له جميع ما يخامرها من الريبة بأخيه، إلا أن الكونت كان يناقضها في جميع ما تقول لأنه كان يرى بعينيه كل ليلة ما يعانيه أخوه من العذاب، وكان يراقبه في بعض الليالي من قفل الباب، فيراه يجلد نفسه حتى تنتهك قواه، ويقرأ أسفار الشهداء حتى تغمض عيناه فينام على الأرض دون غطاء بعد أن يغير نظام الفراش كي يظن الخدم أنه نام عليه، ولا يفطنون إلى أنه نام على الأرض.

فلما يئست باكارا من إقناعه قالت: لا بأس من أن تبقى على اعتقادك فيه، ولكني سأراقبه في الليل والنهار وأصرف كيده عنك بإذن الله، ولا ألتمس منك غير أمر واحد. - ما هو؟ - هو أن تكتم ريبتي هذه عنه، وعن زوجتك، وعن جميع أعوانك. - سأفعل ما تريدين. - أتقسم لي على الكتمان؟ - أقسم لك وأبر باليمين.

فودعته باكارا وانصرفت وهي تقول في نفسها: لقد انتصرت على هذا الشيطان المريد وأنا بغي مومس، وسأنتصر عليه الآن وأنا نائبة مؤمنة ليس لي نصير عليه غير الله، وكفى بالله نصيرا.

20

بينما كانت باكارا عائدة إلى منزلها، وهي تدعو الله في ضميرها كي ينصرها على أندريا، كان أندريا جالسا قرب منضدة في منزل روكامبول، وهو يتداول مع تلميذه بشأن العصابة، وقد أخبره بجميع ما فعل وبزيارته لباكارا وإطلاعها على حب فرناند؛ فأجفل روكامبول ثم سكن روعه ووقف أمام رئيسه وقفة الاحترام وقال: أتأذن لي أن أسألك عما أشكل علي فهمه من أعمالك؟

Shafi da ba'a sani ba