268

Rocambole

الإرث الخفي: روكامبول (الجزء الأول)

Nau'ikan

فأطلقت الفتاة سراحه وخرجت معه، غير أنها لم تصل إلى الباب حتى سمعت فرناند يناديها، فرجعت إليه وهي تبتسم له ألطف ابتسام، فقال فرناند: إنك أمرتني بالسكوت، ولكني أستحلفك بالله أن تجيبي على سؤال واحد.

فقالت له مبتسمة: سل ما تشاء. - إن لي امرأة أحبها وتحبني، وهي لابد أن تكون في أسوأ حال لغيابي. - طب نفسا، فلقد علمت امرأتك أنك ستغيب عنها بضعة أيام لأشغال خطيرة.

ثم نظرت إليه نظرة دلال تسبي فؤاد العابد وقالت: وأنا أسألك سؤالا واحدا أرجو أن تجيبني عليه. - مري يا سيدتي بما تشائين. - هو أن تعلم أنك بمنزل امرأة أنقذت حياتك من الخطر، وهي لا تسألك مقابل ذلك غير السكوت.

ثم غادرته مبتسمة وانصرفت.

فعاد فرناند إلى هواجسه، ثم اشتدت عليه الحمى وعقبها الهذيان، فأصبح يخلط بين زوجته والفيروزة وخصمه في المبارزة، إلى أن نام فتمثلت له هذه الفتاة في منامه بأجمل مثال، ولما أفاق من رقاده وجدها واقفة أمام سريره وعيناها شاخصتان إليه يجول فيهما الدمع الكاذب، كأنها كانت شفقة لما كانت تسمعه من هذيانه. فلما رأته صحا مدت يدها إلى يده تجسها، فأخذ فرناند يدها وقد أثر به حنوها وأدناها من فمه، فقبلها قبلة حارة تدل على امتنانه، ثم لم يلبث أن عادت إليه الحمى وجعل يذكر زوجته، فاغتنمت الفيروزة فرصة عودة الحمى إليه وقالت له: لقد خدعتك حين قلت لك إني أخبرت زوجتك خشية عليك من التأثير، أما وقد زال ما كنت أتوقعه من الخطر، فإنك تستطيع الآن أن تكتب ما تشاء إلى السيدة هرمين، مدام روشي.

فدهش فرناند وقال: أتعلمين اسمي؟ - لو لم أكن أعرفك لما كنت الآن عندي. - لقد أصبت.

ثم عاد إلى ذكر زوجته فقال: إني لا أستطيع الكتابة. - لا بأس، فإني أكتب عنك، وفي كل حال فإنك تستطيع التوقيع.

ثم تركته وقامت إلى المنضدة وكتبت كتابا إلى هرمين قالت فيه بلسان زوجها أنه تبارز مع شاب من أجل فتاة، فأصيب بجرح غير خطير، وأنه مقيم في منزل تلك الفتاة، وأن الطبيب أمره أن لا يخرج قبل ثمانية أيام، وقد كلف تلك الفتاة أن تكتب إليها بيدها البيضاء يطمئنها عنه، إلى غير ذلك من هذه الجمل التي تثير الغيرة في قلوب الزوجات. وجعلت كلما كتبت سطرا تنظر إلى فرناند وتكلمه، حتى علمت أن الحمى قد تمكنت منه، وأن لم يعد يستطيع القراءة، فأتت إليه وقرأت أمامه هذا الكتاب الذي كتبته، ولكنها كانت تقرأ غير ما كتبت، ثم أعطته القلم كي يوقع عليه اسمه تحت هذا الكتاب، وخبأته في درج في غرفة أخرى. وعادت إلى الجريح فاستمرت جالسة إلى أن فارقته الحمى وثاب إلى رشده، فرأى الفتاة أمامه وهي تنظر إليه نظرة الملائكة، فأخذ يدها وقبلها قبلة اشتياق وهو يقول في نفسه: أيمكن للرجل أن يحب امرأتين؟

أما هي فإنها أفلتت منه إفلات الظبي، وقد عبق وجهها بالاحمرار، ثم عادت إليه وحدثته كما تحدث الأخت أخاها قائلة: أرجوك أن تنام وتستريح، وأن لا تتحرك حركة عنيفة، وسيعودك الطبيب بعد قليل، أما أنا فسأعود إليك بعد حين.

وبعد ذلك خرجت إلى غرفتها، فتزيت بزي بسيط كما تلبس البنات العاملات، وخرجت من منزلها وركبت مركبة وقالت للسائق: سر بي إلى شارع سانت أنطوان، وقف بي في أول عطفة شارع.

Shafi da ba'a sani ba