فاختلجت مرتا كالورقة تحركها رياح الخريف، وجعلت تنظر إلى أرمان نظرة ذهول، فأخذ ساعته من جيبه ونظر فيها ثم قال: إني ذاهب الآن لقضاء بعض المهام، وسأعود إليك بعد ساعة فأسهر على عتبة بابك، والويل لذلك الشقي إذا جسر على الدنو من هذا المكان.
قال ذلك وخرج عاجلا وجهته نهر التيبر، وفيما هو خارج لقي الخادمة مرتي، وهي عجوز كهلة أقامها في خدمتها لحراستها، فقال لها: أسرعي إلى سيدتك، واقفلي الباب جيدا، ولا تفتحي لأحد على الإطلاق، فإن معي مفتاحا.
فانحنت الخادمة وذهبت، ولكنها لم تكد تبلغ المنزل حتى سمعت صفيرا سريا، فولجت الباب، وبدلا من أن تقفله كما أمرها مولاها تركته مفتوحا.
وكانت تلك الليلة حالكة الظلام، والشارع خاويا خاليا من المارة، فلما دوى ذلك الصفير ظهر على إثره رجل كان يمشي الهوينا إلى أن بلغ المنزل، ففتح الباب ونادى بصوت منخفض «فلورينا»، فأجابت الخادمة: ها أنا. - وها أنا قد أتيت. - على الرحب والسعة فإنه قد ذهب، ولكنه سيرجع. - لا بأس، فإن الوقت فسيح لدينا، وقد هيأت العربة فلم يبق علينا إلا العمل.
ثم أخذ كيسا من جيبه وأعطاه إياها على سبيل المكافأة، فشكرت فضله، ودعت بالتوفيق، ثم تركت المنزل وهربت.
أما هو فإنه صعد السلم إلى غرفة مرتا فطرق الباب ثلاثا، ولبث ينتظر بسكينة أن يؤذن له بالدخول.
فاضطربت مرتا إذ علمت أن الطارق لا يمكن أن يكون أرمان؛ لأنه لم يحن وقت إيابه، ولا الخادمة؛ لأنها اعتادت أن تدخل بغير استئذان، وفيما هي مضطربة حائرة لا تعلم ما تعمل، إذ فتح الباب، ودخل ذلك الرجل فصرخت صراخ القانط، ورجعت إلى الوراء كأنها رأت الشيطان بصورة ذلك الإنسان.
أما هو فلم يبال بهذا الاضطراب، ولم يكترث بما لقيه من انذعارها، بل إنه خلع رداءه، وتقدم منها فقال: هذا أنا.
فقالت بصوت مختنق: أندريا! - نعم، أندريا فما الموجب لعجبك.
فرجعت أيضا إلى الوراء منذعرة، ولم تحر جوابا، فدنا منها وقال لها ببرود: أيتها الحبيبة، إنك هربت مني بسبب بسيط دلني على ضعف قلبك وشدة طيشك، وكان يجب أن تعلمي أنك إذا تركت الفيكونت أندريا فهو لا يتركك؛ لأنك تعلمين أنه من الذين لا يدعون خليلتهم تفر منهم إلى رجل عامل لا ثروة عنده ولا رزق له إلا من شغل يديه.
Shafi da ba'a sani ba