وتبين أيضًا مع هذا هنالك أن الموضوع القريب لهذه النفوس في الأجسام الآلية هو حرارة مناسبة للحرارة والمكونة، إذ كان لا فرق بينهما إلا أن هذه آلة الحافظة وتلك آلة المكون وهذه هي الحرارة المشاهدة بالحس في الحيوان الكامل في القلب أو ما يناسبه في الحيوان الذي ليس بكامل. وقد توجد هذه الحرارة في كثير من هذه الأنواع كالشائعة فيه وذلك لقرب أعضائها من البسائط كالحال في كثير من الحيوان والنبات والنبات أحرى بذلك، ولذلك متى فصلنا غصنًا من أغصان النبات وغرسناه أمكن أن يعيش.
وتبين أيضًا هنالك أن قوى النفس واحدة بالموضوع القريب لها التي هي الحرارة الغريزية كثيرة بالقوة كالحال في التفاحة، فإنها ذات قوى كثيرة باللون والطعم والرائحة، وهي مع ذلك واحدة. إلا أن الفرق بينهما أن هذه أعراض في التفاحة وتلك جواهر في الحرارة. الغريزية، فهذه هي الأمور التي إذا تحفظ بها قدرنا أن نصل إلى معرفة جوهر النفس وما يلحقها على أتم الوجوه وأسهلها، وهي أمور وأن لم يصرح بها أرسطر في أول كتابه فهو ضرورة مصادرة عليها بالقوة على عادته في الإيجاز.
مبدأ المفارقة
ومن هذه الأمور بعينها يمكن أن نقف من أمرها على ما هو اكثر ذلك متشوق من أمرها، وهو هل يمكن فيها أن تفارق أم لا، إلا أنه ينبغي أن يكون عتيدًا قبل هذا الفحص على أي جهة يمكن أن توجد صورة مفارقة في الهيولى أن وجدت، وفي أي المواضع والشبل يمكن أن يوقف على ذلك أن كان.
فنقول أن المفارقة إنما تكون أن توجد في أشياء منسوبة إلى الأمور الهيولانية بأن تكون نسبتها إليها لا نسبة الصورة إلى المادة بل تكون لاتصالها بالهيولى اتصالًا ليس في جوهرها. كما يقال في العقل الفعال إنه في المني والبزر، ويقال إن المحرك الأول في المحيط، فإن نسبة الصورة إلى الهيولى هي نسبة لا يمكن فيها أصلًا أن تتصور المفارقة فيها من جهة ما في صورة هيولانية، فإن هذا الوضع يناقض نفسه لأن أحد ما يضع صاحب هذا العلم على أنه بين بنفسه هو أن هذه الصورة الطبيعية بين من أمرها أنها تتقوم بالهيولى، ولذلك كانت حادثة وتابعة في حدوثها للتغير وطبيعته.
وأيضًا فمتى أنزلنا خلاف هذا، أعني أنها أزلية سواء فرضناها منتقلة من موضع إلى موضع أولًا من موضع إلى موضع، وهذا هو احفظ لهذا الوضع، لأنها إذا كانت أزلية فما بالها لا توجد إلا في موضوع، فإنه يلزم عن ذلك محالات كثيرة.
منها أن يكون الموجود يتكون عن موجود بالفعل، لأن المادة إذا كانت غير حادثة والصورة أيضًا غير حادثة فليس هاهنا كون أصلًا، ولا يكون هنالك غناء للمحرك والكون بل لا يكون هنالك فاعل أصلًا.
وأيضًا أن أنزلنا الصورة موجودة قبل وجودها في الهيولى المشار إليها فلا يخلو أن يكون وجودها تغيرًا أو تابعًا لتغير أو لا يكون هنالك للصورة مغائرة أصلًا، لكن متى أنزلنا الصورة ليس لها تغير أصلًا ولا وجودها في الهيولى المشار إليها تابع لتغير وكذلك فسادها لزم أن يكون الشيء الواحد بعينه قبل التكون كحاله بغد التكون وقبل الفساد كحاله بعد الفساد، حتى تكون الأضداد موجودة معًا في موضوع واحد، كأنك قلت صورة الماء وصورة النار، وهذا كله خلاف المعقول.
وأن أنزلنا أيضًا حدوثها تغيرًا، أعني أنها تتغير عند الحدوث من لا هيولى إلى هيولى أو من هيولى إلى هيولى، كما يقول أصحاب التناسخ لزم ضرورة أن تكون الصورة جسمًا ومنقسمة حسب ما تبين من أن كل متغير منقسم.
وإذا كان هذا هكذا فلم يبق أن يكون حدوثها في الهيولى إلا على أن وجودها تابع لتغير على ما يظهر من أمر الصور الكائنة، فإن أحدًا ما يتم به. وتتكون صورة الهواء في هيولى الماء إنما هو لوجود الاستحالة المتقدمة في الماء بحدوث صورة الهواء، لكن هذه الصورة من اجل وجودها في متغير لا من جهة أنها متغيرة بذاتها، فكانت ليست بجسم ولا تنقسم. ولذلك ما قيل إنه ليس حركة في الجوهر، وهذا كله قد يظهر في السماع الطبيعي.
1 / 2