أما شكله، فقد كان كبير الرأس، كبير الأنف، تترجرج مقلتاه ترجرج الزئبق، كما كان متين البناء قوي العضلات.
أما طباعه في هذا العهد، فتلخص في أنه كان يشعر بجهل الناس، وبما في نفوسهم من نقص، ولذلك كان دأبه السخرية من جهلهم، كما كان يسخر من نفسه، ولم يكن في هذا كاذبا، بل كان يؤمن بأنه هو أيضا يبحث عن الحقيقة، فهو إذن لا يفضلهم في شيء غير في أنه يبحث وهم لا يبحثون، وهذه تبين لنا أنه كان رجلا.
كان يعلم الناس كيف يعامل الفرد غيره، وكيف يعيش في الوسط الذي يحتويه، ولذلك نتساءل: هل كانت له مدرسة؟
لقد كانت له مدرسة من طراز خاص، فقد كان يسمي تلاميذه رفاقا
associates
وكان لا يتقاضى أجرا، وفي هذا تميز عن السوفسطائيين.
ولقد اتهم في محاكمته بأنه كان مفسدا للشباب، ولكنه دافع عن نفسه بأن ذكر شيوخا من شيوخ أثينا بين عظماء وأثرياء، كانت بينه وبينهم صلة وثيقة، على أن أهم صلاته بالشباب، والتي أثرت في محاكمته وأدت إلى الحكم عليه؛ هي صلته بالسبياديس وكان من أجمل شباب أثينا وألمعهم وأشجعهم، وكانت الإشاعة التي تدور حول علاقته بسقراط أكثر من أن تكون علاقة بين أستاذ وتلميذ؛ بل تخطتها إلى مسألة جنسية بحتة. وكان «سقراط» إذا ما سئل عن ذلك أجاب ساخرا على طريقته: إنني حقيقة أستاذ في فن الحب، ولكن الذين عرفوا استقامته الصارمة كانوا يوقنون ببعده التام عن الشهوات والصغائر.
ويمكننا إذن أن نلخص شخصيته إذ ذاك، بأنه كان رجلا طاغي العاطفة، طاغي التفكير، ساخرا، متقشفا، متصوفا.
وماذا نعني بالتصوف؟
نعني بالتصوف، أنه كانت تعتريه نوبات ذهول وغيبوبة، وكانت تظهر له علامات خفية نكاد نسميها «هواتف»، ولم تكن هذه الهواتف إيجابية ولا موجهة لناحية ما، وإنما كانت علامات مانعة تنهاه عن المضي في سبيل بدأ السير فيه، أما الغيبوبة، فكانت تقصر أو تطول، وقد استغرق فيها مرة أربعا وعشرين ساعة، ولكن العلامات الخفية كانت تعرض له على غير انتظار، فيقف، كأنه يصغي أو يستمع إلى صوت غامض ولكنه واضح له. وكان يلبي نواهيها، والمرة الوحيدة التي خالف فيها أمرها حدثت في أواخر أيامه، وقد كان مندفعا إلى الاندماج في السياسة، والاشتراك في أعمال الحكام، وكانت عاقبته وبالا كما سنرى.
Shafi da ba'a sani ba