هذا الشَّعر؟ فيقول الشيخ: نعم، حدّثنا أهل ثقتنا، عن أهل ثقتهم، يتوارثون ذلك كابرًا عن كابر، حتى يصلوه بأبي عمرو بن العلاء، فيرويه لهم عن أشياخ العرب، حرشة الضَّباب في البلاد الكلدات وجناة الكمأة في مغاني البداة، الذين لم يأكلوا شيراز الألبان ولم يجعلوا الثمر في الثَّبان، أنَّ هذا الشّعر لميمون بن قيس ابن جندلٍ أخي بني ربيعة بن ضبيعة بن قيس بن ثعلبة بن عكابة ابن صعب بن عليّ بن بكر بن وائلٍ فيقول الهاتف: أنا ذلك الرَّجل، من الله عليَّ بعدما صرت من جهنّم على شفير، ويئست من المغفرة والتّكفير. فيلتفت إليه الشيخ هشًّا بشًّا مرتاحًا، فإذا هو بشابّ غرانق غبر في النّعيم المفانق، وقد صار عشاه حور معروفًا، وانحناء ظهره قوامًا موصوفًا، فيقول: أخبرني كيف كان خلاصك من النار، وسلامتك من قبيح الشنار؟ فيقول: سحبتني الزبانية إلى سقر، فرأيت رجلًا في عرصات القيامة يتلألأ وجهه تلألؤ القمر، والنّاس يهتفون به من كلّ أوبٍ: يا محمَّد يا محمّد، الشفاعة الشّفاعة! نمتُّ لكذا ونمتُّ بكذا. فصرخت في أيدي الزبانية: يا محمّد أغثني فإنّ لي بك حرمةً! فقال: يا عليُّ بادره فانظر ما حرمته؟ فجاءني عليُّ بن أبي طالبٍ، صلوات الله عليه، وأنا أعتل كي ألقى في الدّرك الأسفل من النّار، فزجرهم عني، وقال: ما حرمتك؟ فقلت: أنا القائل:
ألا أيُّهذا السّائلي أين يمّمت، ... فإنَّ لها في أهل يثرب موعدا
فآليت لا أرثي لها من كلالة، ... ولا من حفىً، حتى تلاقي محمّدا
متى ما تناخي عند باب ابن هاشمٍ ... تراحي، وتلقي من فواضله ندى
أجدَّك لم تسمع وصاة محمّدٍ ... نبيّ الإله حين أوصى وأشهدا
إذا أنت لم ترحل بزادٍ من التُّقى ... وأبصرت بعد الموت من قد تزودَّا
1 / 20