أجاب الشيخ الإمام العالم العلامة موفق الدين أبو محمد عبد الله بن قدامة المقدسي رحمه الله تعالى:
الحمد لله رب العالمين، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
إن القرآن العظيم الذي هو كلام الله القديم١، المنزل على قلب سيد المرسلين، هو هذا الكتاب العزيز
_________
١ قول المؤلف ﵀: "القديم" يحتمل أن يكون نعتا للفظ الجلالة، ويحتمل أن يكون نعتا للقرآن، فإن كان مراده الأول، فإن أسماء الله تعالى وصفاته توقيفية، ولا يجوز أن يسمى الله تعالى بما لم يأتي به النقل، وإن كان قد يتساهل في باب الإخبار، غير أنه لا يجوز أن يعد اسما من أسمائه تعالى قال ابن أبي العز الحنفي ﵀ في شرح "الطحاوية" (ص ٧٧-٧٨): "وقد أدخل المتكلمون في أسماء الله تعالى "القديم" وليس هو من الأسماء الحسنى، فإن القديم في لغة العرب التي نزل بها االقرآن: هو المتقدم على غيره، فيقال: هذا قديم للعتيق، وهذا حديث للجديد، ولم يستعملوا هذا الاسم إلا في المتقدم على غيره، لا فيما لم يسبقه عدم، كما قال تعالى: ﴿حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ﴾ والعرجون القديم: الذي يبقى إلى حين وجود العرجون الثاني، فإذا وجد الجديد قيل للأول: قديم، وقال تعالى: ﴿وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ ١ فَسَيَقُولُونَ هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ﴾ أي: متقدم في الزمان، وقال تعالى: ﴿قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ﴾
فالأقدم مبالغة في القدم، ومنه: القول القديم والجديد للشافعي ﵀ وقال تعالى: ﴿يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ﴾ أي: يتقدمهم، ويستعمل منه الفعل لازما ومتعديا، كما يقال: أخذني ما قدم وما حدث، ويقال: هذا قدم هذا، وهو يقدمه، ومنه سميت القدم قدما، لأنها تقدم بقية قدم الإنسان.
وأما إدخال القديم في أسماء الله تعالى فهو مشهور عند أكثر أهل الكلام، وقد أنكر ذلك كثير من السلف والخلف، منهم ابن حزم.
ولا ريب أنه إذا كان مستعملا في نفس التقدم، فإن ما تقدم على الحوادث كلها، فهو أحق بالتقدم من غيره، لكن أسماء الله تعالى هي الأسماء الحسنى التي تدل على خصوص ما يمدح به، والتقدم في اللغة مطلق لا يختص بالتقدم على الحوادث كلها، فلا يكون من الأسماء الحسنى، وجاء الشرع باسمه"الأول" وهو أحسن من "القديم"لأنه يشعر بأن ما بعده آيل إليه، وتابع له، بخلاف "القديم" والله تعالى له الأسماء الحسنى لا الحسنة".
1 / 30