وأخيرا، فإن تمتع كل فرد بحريته لا يهدد - كما بينا - سلامة الدولة، أو التقوى أو حق السلطة العليا، بل هو بالإضافة إلى ذلك ضروري للمحافظة على ذلك كله.
والواقع أنه عندما يحاول الناس سلب خصومهم هذه الحرية، وعندما تقدم معتقدات المنشقين للمحاكمة، لا مواقفهم واتجاهاتهم الإنسانية (التي هي الشيء الوحيد الذي يمكن إدانته)، تكون تلك الأحكام التي توقع على الشرفاء أمثلة للاستشهاد، وتثير في نفوس الحاضرين من التعاطف، بل من الرغبة في الانتقام للضحايا، أكثر مما تبعثه في نفوسهم من الخوف، ثم تفسد العلاقات الاجتماعية ويضيع حسن النية، على حين تقوى شوكة التملق والخداع، ويصيب أعداء المتهمين الغرور لأن السلطات سايرتهم في غضبهم، ولأن رؤساء الدول أصبحوا مشايعين لذلك الرأي الذي جعلوا من أنفسهم رسلا له، وبالتالي يتجرءون على اغتصاب حق السلطة العليا وعلى النيل من هيبتها، ويصل بهم الصلف إلى حد الادعاء المباشر بأن الله قد اختارهم بحيث يضفون على قراراتهم صبغة إلهية
7
يريدون أن تخضع لها السلطة العليا، التي هي إنسانية محضة. ولا يجهل أحد أن هذا الوضع مضاد على طول الخط لمصلحة الدولة. وكما فعلنا في الفصل الثامن نختتم عرضنا فنقول: لو أردنا أن نضمن سلامة الدولة، فيجب أن نجعل التقوى والدين مقتصرين على ممارسة العدل والإحسان، كما يجب أن ينصب تشريع السلطة العليا في المجالين الديني والدنيوي على أفعال الرعايا وحدها، وأن يترك لكل فرد حريته في التفكير والتعبير.
وهكذا انتهيت من معالجة جميع المسائل التي اعتزمت بحثها عندما شرعت في الكتابة، ولم يبق لي إلا أن أعلن صراحة أنني أقدم عن طيب خاطر كل ما كتبت للسلطات العليا لوطني لكي تفحصه وتحكم عليه، فإن بدت لها إحدى قضاياي معارضة لقوانين البلاد أو ضارة بالمصلحة العامة، فإني أتراجع عنها؛ ذلك لأني أدرك أنني بشر وأن من الممكن أن أكون قد أخطأت، ولكني على الأقل حاولت بقدر طاقتي ألا أقع في الخطأ، وحرصت بوجه خاص على ألا أكتب شيئا يتعارض مع قوانين بلدي أو يتنافى مع الحرية والأخلاق الحميدة.
8
Shafi da ba'a sani ba