193

Risala Fi Lahut Wa Siyasa

رسالة في اللاهوت والسياسة

Nau'ikan

7

أعني ذلك الإيمان الذي يكون الخلاص ثمرة له. ألم نقل أنه إذا وجدت الطاعة وجد الإيمان؟ وهذا ما يقوله الحواري نفسه صراحة (2: 18): «فأرني إيمانك بغير الأعمال أما أنا فأريك إيماني بالأعمال.» وكذلك يقول (الرسالة الأولى، 4: 7-8): «فكل من يحب (جاره) فهو مولود من الله وعارف به، ومن لا يحب فإنه لا يعرف الله لأن الله محبة.» ومن هذا نستنتج مرة أخرى أنه لا يمكن الحكم على أحد بأنه مؤمن أو غير «مؤمن إلا بأعماله، فإذا كانت أفعاله حسنة، مع اختلافه في عقائده » عن بقية المؤمنين، فهو مؤمن، وإذا كانت أفعاله سيئة واتفقت عقائده لفظيا مع الآخرين، فهو غير مؤمن؛ ذلك لأنه إذا وجدت الطاعة وجد الإيمان بالضرورة، والإيمان دون الأعمال مائت.

8

وهذا ما يقوله يوحنا صراحة في الآية 13 من الإصحاح نفسه: «وبهذا نعلم أننا نثبت فيه وهو فينا بأنه آتانا من روحه.»

9

أي المحبة؛ لأنه قال قبل ذلك إن الله محبة. وهو يستنتج من ذلك (أي من المبادئ التي سلم بها من قبل) أن روح الله تسكن في الإنسان حقيقة عندما يحب، بل إنه استنتج اعتمادا على أن أحدا لم ير الله، لأن أحدا لا يشعر بالله أو يدركه إلا بحب الجار، وبالتالي فإن أحدا لا يستطيع أن يعرف أية صفة لله سوى هذه المحبة بقدر مشاركتنا فيها. وعلى الرغم من أن حججي ليست قاطعة، فإنها تفسر بوضوح ما قصد إليه يوحنا. ويتضح ذلك على نحو أصرح في الآيات 3، 4 من الإصحاح 2 من الرسالة نفسها، التي تبين صراحة ما نود بيانه: «وبهذا نعلم أنا قد عرفناه بأن نحفظ وصاياه. فمن قال إني عرفته ولم يحفظ وصاياه فهو كاذب وليس الحق فيه.» ومن ذلك ننتهي من جديد إلى النتيجة القائلة: إن من يضطهد الشرفاء محبي العدل لأنهم يختلفون معه في الرأي ولا يعتنقون العقائد نفسها أو حقائق الإيمان نفسها، إنما هو عدو المسيح الحقيقي؛ ذلك لأننا نعلم أن حب العدل والإحسان يكفي ليكون الإنسان مؤمنا، ومن يضطهد المؤمنين يكون عدوا للمسيح. ويترتب على ذلك، أخيرا، أن الإيمان يتطلب عقائد تحث على التقوى وقادرة على توجيه معتنقيها إلى الطاعة، أكثر مما يتطلب عقائد صحيحة. ولا يهم بعد ذلك ألا يكون العدد الأكبر من هذه العقائد محتويا على ذرة واحدة من الحقيقة،

10

ويكفي ألا يعرف من يعتنقونها أنها باطلة، وإلا لتمردوا عليها بالضرورة؛ إذ كيف يمكن لفرد، يسعى إلى حب العدل وطاعة الله، أن يعبد شيئا، على أنه إلهي، وهو يعلم أنه غريب على الطبيعة الإلهية؟ على أن الناس قد يخطئون لسذاجة عقولهم، والكتاب كما نعلم ، لا يدين الجهل، بل العصيان وحده، بل إن هذا ينتج بالضرورة عن تعريف الإيمان وحده؛ لأن الإيمان كله يرتكز على الأساس الشامل الذي برهنا عليه من قبل، وعلى الغاية الوحيدة التي يرمي إليها الكتاب - ما لم يكن هدفنا هو الخلط بين الإيمان وما يروق لنا من الأحكام. وإذن، فالإيمان لا يتطلب عقائد صحيحة، بل عقائد تؤدي ضرورة إلى الطاعة، أي تثبت القلوب على حب الجار؛ إذ إن كل إنسان لا يكون في الله، ولا يكون الله في كل إنسان (كما يقول يوحنا)، إلا بمقدار هذا الحب. وإذن فلما كان علينا، كيما نحكم على تقوى كل إيمان أو فسوقه، ألا نأخذ في اعتبارنا سوى طاعة من يعتنق هذا الإيمان أو عصيانه، بغض النظر عن صحة الإيمان ذاته أو بطلانه، وكذلك لما كان من المسلم به أن التكوين الذهني للبشر متعدد للغاية، إذ لا يستريح كل الناس للأفكار نفسها، بل على العكس، تحكمهم أفكار مختلفة، بحيث إن الأفكار التي تحث أحدهم على التقوى، قد تثير في نفس الآخر السخرية والاحتقار، فإننا نستنتج من ذلك كله أن الإيمان الكاثوليكي أو الشامل، لا يحتوي على أية عقائد يمكن أن تثير خلافا بين الشرفاء. وأما العقائد التي تقبل الجدل فتحث على الطاعة عندما تعتنقها نفس طيبة، وعلى الفسوق عندما تعتنقها نفس أخرى (ما دام العامل الحاسم هو الأعمال وحدها). والواقع أن الإيمان الشامل لا يحتوي إلا على عقائد تحث على طاعة الله على نحو مطلق، ويؤدي الجهل بها إلى أن تستحيل الطاعة تماما. أما الجوانب الأخرى للعقيدة فإن لكل فرد - ما دام هو خير من يعرف نفسه - أن يتصورها كما يشاء بحيث يتسنى له أن يسلك على خير نحو طبقا للحب والعدل. وأظن أن هذه القاعدة تمنع أي نزاع داخل الكنيسة.

والآن، لم يعد هناك ما أخشاه من صياغة عقائد الإيمان الشامل أي المعتقدات الأساسية التي استهدفها الكتاب الشامل.

11

Shafi da ba'a sani ba