186

Risala Fi Lahut Wa Siyasa

رسالة في اللاهوت والسياسة

Nau'ikan

بل تكفي إشارة واحدة لإيضاح ما نريد قوله هنا على نحو أفضل. عندما يوصف شيء لا يكون هو الله نفسه، بأنه كلام الله، فإن المقصود بذلك على وجه الدقة هذا القانون الإلهي الذي عرضنا له في الفصل الرابع، أي هذا الدين الشامل، أو الكاثوليكي، الذي يشارك فيه الجنس البشري كله، ويمكن الرجوع في هذا الموضوع إلى أشعيا (1: 10 ... إلخ)،

15

حيث تعلم الطريقة الصحيحة للحياة، التي لا تتكون من طقوس، بل من إحسان وصدق ، وحيث يسميها النبي كلام الله وشريعته دون تمييز، وكذلك تستخدم الكلمة مجازيا لكي تدل على نظام الطبيعة نفسه، وعلى القدر (لأنهما يعتمدان على الأمر الأزلي للطبيعة الإلهية ويصدران عنه) ولكي تدل بوجه خاص على ذلك الجزء من نظام الطبيعة، الذي تنبأ به الأنبياء؛ وذلك لأنهم لم يكونوا يدركون الأشياء المستقبلة بعللها الطبيعية، بل بوصفها قرارات وأوامر إلهية. وتستعمل الكلمة أيضا للدلالة على كل أمر نبوي، بقدر ما يكون قد أدركه بقدرته التي يتفرد بها، أو بهبة النبوة، لا بالنور الطبيعي الذي يشارك فيه الجميع، خاصة وقد اعتاد الأنبياء بالفعل تصور الله كمشرع، كما بينا ذلك في الفصل الرابع. لهذه الأسباب الثلاثة إذن سمي الكتاب كلام الله؛ أولا: لأنه يعلم الدين الصحيح الذي وضعه الله أزليا. ثانيا: لأنه يتنبأ في صورة رواية بالمستقبل بقدر ما قضى به الأمر الإلهي؟ ثالثا: لأن مؤلفيه الحقيقيين كانوا في معظم الأحيان يدعون إلى ما حصلوا عليه بنور خاص بهم، لا بالنور الفطري، وجعلوا الله نفسه هو الذي يتحدث. وعلى الرغم من أن جزءا من محتوى الكتاب مجرد تاريخ يمكن إدراكه بالنور الفطري، فإن الاسم مستمد مما يؤلف المضمون الأساسي للكتاب، بذلك ندرك بسهولة بأي معنى يجب أن نتصور الله كمؤلف للتوراة؟ هذا المعنى هو أن التوراة تعلمنا الدين الصحيح، لا أن الله أراد أن يعطي البشر عددا معينا من الكتب. ونستطيع أيضا أن نفهم سبب تقسيم الكتاب إلى أسفار العهد القديم وأسفار العهد الجديد؛ ذلك لأن الأنبياء قبل ظهور المسيح كانوا يبشرون بالدين على أنه قانون الأمة الإسرائيلية فحسب، ويستمدون قوتهم من العهد الذي أبرم زمن موسى، على حين بشر الحواريون بعد ظهور المسيح بالدين نفسه لجميع الناس بوصفه قانونا كاثوليكيا، واستمدوا قوتهم من آلام المسيح. وهذا لا يعني اختلاف أسفار العهد الجديد في العقيدة عن أسفار العهد القديم أو أنها كتبت كميثاق لعهد ما، أو أن الدين الكاثوليكي، وهو دين طبيعي إلى أقصى حد،

16

كان جديدا، إلا بالنسبة إلى الناس الذين لم يعرفوه من قبل. ومن هنا قال يوحنا كاتب الإنجيل (1: 10): «كان في العالم ... والعالم لم يعرفه.» ولو كان لدينا عدد أقل من أسفار العهد القديم او الجديد، لما أدى ذلك إلى حرماننا من شيء من كلام الله (الذي ينبغي أن يكون معناه، كما قلنا، الدين الصحيح)، مثلما لا يمكن أن يؤدي ضياع كتب أخرى كثيرة في غاية الأهمية إلى حرماننا من أي شيء فيه مثل سفر الشريعة الذي كان محفوظا في المعبد على نحو ديني كميثاق للعهد، وكذلك كتب الحروب والأخبار وعدد كبير آخر أخذت منه الأسفار التي لدينا في العهد القديم ثم جمع ذلك كله فيما بعد. هذا فضلا عن وجود أسباب أخرى تؤيد ذلك، هي: (1)

لم تدون أسفار العهدين والقديم والجديد بتفويض خاص في عصر واحد، يسري على كل الأزمان، بل جاء تدوينها مصادفة، وقصد بها أناس معينون، ودونت بحيث تلائم مقتضيات العصر والتكوين الشخصي لهؤلاء الناس، وهذا ما تدل عليه رسالات الأنبياء (الذين أرسلوا نذيرا لكفار عصرهم) وكذلك رسائل الحواريين. (2)

تختلف معرفة الكتاب وفكر الأنبياء عن فهم فكر الله أي الحقيقة.

17

وقد برهنا على ذلك في الفصل الثاني الخاص بالأنبياء، وينطبق هذا البرهان أيضا على الروايات وعلى المعجزات، كما بينا في الفصل السادس، وعلى العكس من ذلك لا تنطبق هذه التفرقة على الفقرات التي تتحدث عن الدين الصحيح والفضيلة الحقة. (3)

تم اختيار أسفار العهد القديم من بين أسفار كثيرة أخرى، ثم جمعها وأقرها مجلس الفريسيين، وكذلك قبلت أسفار العهد الجديد ضمن المجموعة المقننة بقرار بعض المجامع الكنسية التي رفضت في الوقت نفسه أسفارا أخرى كثيرة بوصفها منعدمة القيمة، مع أن كثيرا من الناس كانوا يقدسونها. على أن أعضاء هذه المجامع الكنسية (سواء مجامع الفريسيين أم مجامع المسيحيين) لم يكونوا أنبياء، بل كانوا من ذوي الخبرة والفقهاء فحسب. ومع ذلك يجب أن نعترف بأنهم أخذوا كلام الله قاعدة لاختيارهم؛ وعلى ذلك فلا بد أنهم عرفوا كلام الله قبل موافقتهم على جميع الأسفار. (4)

Shafi da ba'a sani ba