Risala Fi Lahut Wa Siyasa

Hasan Hanafi d. 1443 AH
134

Risala Fi Lahut Wa Siyasa

رسالة في اللاهوت والسياسة

Nau'ikan

16

ولكننا لا نستطيع الوثوق بهاتين الوسيلتين؛ لأن الذين وضعوها واستعملوها علماء لغويون في عصر متأخر، لا تساوي سلطتهم شيئا. أما القدماء فقد كتبوا دون نقاط (أي دون حروف علة ودون حركات) كما تدل على ذلك شهادات كثيرة، فقد أضيفت النقاط في عصر متأخر عندما اعتقد الناس بوجوب تفسير التوراة، فالنقاط التي لدينا الآن، وكذلك الحركات، إنما هي تفسيرات حديثة لا يحق لنا التصديق بها ولا تفوق في سلطتها الشروح الأخرى. ومن يجهلون هذه الخاصية لا يعرفون لماذا يجب أن نغفر لمؤلف «الرسالة إلى العبرانيين» تفسيره في الإصحاح 11، الآية 21 نصا من سفر الخروج (47: 31) تفسيرا مخالفا للنص المنقوط، وكأنه كان مفروضا على الحواري أن يعرف معنى الكتاب ممن نقطوه! وأنا من جانبي أرى أن الذين أخطئوا هم هؤلاء المتأخرون. وحتى يستطيع كل فرد أن يتحقق من صدق ذلك وأن يرى في الوقت ذاته أن هذا الاختلاف يرجع فقط إلى غياب الحروف المتحركة، أذكر هنا التفسيرين معا، فنحن نقرأ النص المنقوط هكذا: «وسجدت إسرائيل على.» أو (وعندما نغير الحرف عين إلى ألف وهو من المجموعة نفسها) «إلى رأس السرير.»

17

وفي مقابل ذلك يقرأ مؤلف الرسالة: «وسجدت إسرائيل رأس العصا.» بعد أن استبدل بكلمة «ميتا» كلمة «ماتي» التي لا تختلف عن الكلمة الأولى إلا في حروف العلة. ولما كانت الرواية تتحدث في هذا الموضع عن شيخوخة يعقوب لا عن مرضه كما هو الحال في الإصحاح التالي، فالأرجح أن المؤرخ أراد أن يقول: انحنى يعقوب على «رأس عصاه» (إذ يحتاج المسنون حقيقة بعد أن يتقدم بهم العمر إلى عصا يتكئون عليها) لا على السرير، فضلا عن أن هذه القراءة لا تتطلب ضرورة استبدال الحروف. هذا المثل لم أرد به أن أثبت اتفاق نص الرسالة إلى العبرانيين مع نص سفر التكوين فقط، بل أردت أيضا، وعلى وجه الخصوص، أن أبين مقدار ضعف الثقة التي يمكن أن نوليها للنقاط والحركات الحديثة، فمن يرد تفسير الكتاب دون أحكام مسبقة عليه إذن أن يشك في النص الذي أكمل على هذا النحو وأن يعيد فحصه من جديد.

ولنعد إلى موضوعنا، قائلين: إنه لما كان هذا هو تركيب اللغة العبرية وطبيعتها يمكننا أن نفهم بسهولة كيف أن المرء يصادف من هذه النصوص المتشابهة عددا يبلغ من الكثرة حدا لا يوجد معه نهج واحد يسمح بتحديد المعنى الحقيقي لها جميعا، ولا يمكننا أن نأمل الوصول إلى ذلك التحديد في جميع الحالات عن طريق مقابلة النصوص بعضها على البعض الآخر (وقد بينا أن هذا هو الطريق الوحيد للوصول إلى المعنى الحقيقي لنص واحد يفيد معاني كثيرة طبقا للاستعمال اللغوي)، فمن ناحية لا تستطيع مقابلة النصوص أن تلقي الضوء على نص إلا مصادفة؛ نظرا إلى أن أي نبي لم يكتب صراحة ليوضح كلمات نبي آخر أو كلماته هو، ومن ناحية أخرى لا نستطيع أن نستنبط فكر نبي أو حواري من فكر نبي أو حواري آخر إلا فيما يتعلق بتدبير أمور الحياة، كما أوضحنا من قبل بجلاء، لا في حديثهم عن الأمور النظرية، أي ما يتعلق بالمعجزات أو القصص. وأستطيع أن أبرهن أيضا ببعض الأمثلة على وجود كثير من النصوص في الكتاب المقدس لا يمكن شرحها، ولكني أفضل ألا أتوقف عند هذا الموضوع الآن وأنتقل إلى الملاحظات الأخرى التي أود أن أبديها على صعوبة المنهج الصحيح لتفسير الكتاب والعيوب التي لا يستطيع هذا المنهج أن يعالجها.

هناك صعوبة أخرى في هذا المنهج تأتي من أنه يتطلب المعرفة التاريخية للظروف الخاصة لكل أسفار الكتاب، وهي معرفة لا تتوافر لدينا في معظم الأحيان. والواقع أننا نجهل تماما مؤلفي كثير من هذه الأسفار، أو نجهل الأشخاص الذين كتبوها (إذا كنا نفضل هذا التعبير) أو نشك فيهم كما سأبين بالتفصيل فيما بعد. ومن ناحية أخرى، لا ندري في أية مناسبة وفي أي زمان كتبت هذه الأسفار التي نجهل مؤلفيها الحقيقيين، ولا نعلم في أيدي من وقعت وممن جاءت المخطوطات الأصلية التي وجد لها عدد من النسخ المتباينة. ولا نعلم أخيرا إن كانت هناك نسخ

18

كثيرة أخرى في مخطوطات من مصدر آخر، وقد بينت بإيجاز في موضع آخر أهمية هذه الظروف جميعها، ولكني قصدت ألا أتحدث عن بعض المسائل التي سأضيفها هنا. إننا عندما نقرأ كتابا يتضمن أمورا لا يمكن تصديقها ولا يمكن إدراكها، أو عندما نقرأ كتابا بألفاظ غاية في الغموض، فمن العبث أن نبحث عن معناه دون أن نعرف مؤلفه وزمن الكتابة ومناسبتها، ولا نستطيع مطلقا أن نعرف ما قصده المؤلف أو ما كان يمكن أن يقصده دون أن نعرف هذه الظروف كلها. وعلى العكس إذا عرفنا كل هذا بدقة، فإننا ننظم أفكارنا بحيث نتحرر من جميع الأحكام المسبقة، أي لا نعطي المؤلف أو من ألف الكتاب من أجله أكثر مما يستحق أو أقل، ولا نتصور أهدافا سوى تلك التي كان من الممكن أن يضعها المؤلف نصب عينيه. وأعتقد أن هذا واضح للجميع، ففي كثير من الأحيان نقرأ روايات متشابهة للغاية في كتب مختلفة، ومع ذلك يختلف حكمنا عليها تبعا لاختلاف آرائنا عن مؤلفيها. وإني لأذكر أني قرأت في كتاب ما أن رجلا يدعى رولان الغاضب

19

كان من عادته أن يمتطي تنينا ذا جناحين يطير في الهواء ويحلق في جميع المناطق كما يشاء، يفترس بمفرده عددا كبيرا من الناس والعمالقة. وحكايات خرافية أخرى من هذا النوع لا يستطيع الذهن تصورها على أي نحو، وقد قرأت في كتاب لأوفيد قصة مشابهة تماما عن برسيه،

Shafi da ba'a sani ba