Takarda Akan Bayanin Yadda Addinai Ke Yaduwa
رسالة في بيان كيفية انتشار الأديان
Nau'ikan
في كيفية قيام الشرائع وانتشارها بين البشر
قد تعين علينا بعد ما بسطناه من أمر الشرائع وحكمة مشروعية الجهاد فيها أن نشرع ببيان كيفية امتداد الشرائع الإلهية بين البشر، وعلى أي وجه كان قيامها في الأرض، لما أن هذا هو الغرض المقصود في كلامنا على الشرائع الإلهية بسبب ما يتوهمه ويقول به فريق من الناس من أن الشريعة الإسلامية إنما قامت وانتشرت بالسيف دون غيرها من الشرائع الإلهية وعلى الخصوص الشريعتين المنتشرتين مع الشريعة الإسلامية على وجه البسيطة إلى الآن، وهما شريعتا موسى وعيسى عليهما الصلاة والسلام، والحال أنه توهم باطل نشأ عن الوقوف عند حد الظاهر من حكم مشروعية الجهاد في الشريعة الإسلامية والنظر إلى تاريخ الفتح الإسلامي من جهة دينية دون وجهته السياسية، مع أنه ليس في مشروعية الجهاد ولا في الفتح الإسلامي ما يؤيد زعم الزاعمين بقيام الإسلام بالسيف كما سنتلوه عليك مفصلا إن شاء الله.
ولو اعتبرنا هذا التوهم قصورا من بعض القائلين بهذا القول لأخذهم الأمور مجردة عن البحث والتدقيق واستسلامهم لضعف التمييز والرأي، فماذا نعتبره من البعض الآخر ممن لا يشك بسعة إطلاعهم وميلهم إلى التحقيق والتنقير وثقتهم من ضمائرهم بالعلم بحقيقة انتشار الدين الإسلامي، وأنه قام وانتشر بالدعوة لا بالسيف، أليس تعسفا لا داعي إليه سوى الرغبة بستر الحقائق بغشاء من التحرير والتمويه لأمر يعلمه الله والراسخون في العلم؟ ومن العار على كل كاتب حر الضمير أن يحرك قلمه على قرطاس ليسود به جبهة الحقائق بمداد التعسف بغية إقامة البرهان على أمر يخالفه في حقيقته الوجدان، وما لا نخال كلامنا هذا يسوء حضرة الكاتب المتستر مناظرنا في جريدة الهلال الذي تصدى لنقض قولنا المشعر بأن الإسلام قام بالدعوة ولم يقم بالسيف؛ إذ ليس في جميع ما خطه قلمه هناك إلا ما يدل على خلاف ما يعتقده في نفس الأمر لاعتماده فيما قاله عن قيام الإسلام على أمور ثلاثة - سيأتي بيانها - ليس فيها حجة لمحتج، ومحاولته لإثبات ما ذهب بالمغالطة والتمويه مما يرد بالبديهة عند كل منصف حر الضمير، وهذا ما حداني للظن بأنه إنما يحاول الإشارة من طرف خفي إلى استنكار مشروعية الجهاد في الشريعة الإسلامية، وبما أن مقام تلك الجريدة لا يساعد على الإفاضة في هذا البحث الجليل، وبث ما يكنه الضمير من بيان خطأ الكاتب فيما توهمه وذهب إليه، فقد اختتمت مناظرتي معه بالوعد بوضع هذه الرسالة التي قصدت بها الإتيان على تفصيل ما أجملناه في الهلال الأغر، وحيث قد أبنت له فيما مر عن مزايا الشرائع الإلهية وحكمة مشروعية الجهاد فيها ما ينفي الاعتقاد باستنكار تلك المشروعية سواء في الشريعة الإسلامية أو غيرها من الشرائع الإلهية، فها أنا إتماما للبحث آتي على تفنيد أموره الثلاثة التي يوهم بها قيام الإسلام بالسيف، مضيفا إلى ذلك ما تيسر لي إيراده من الأدلة على كيفية قيام كل من الشريعة العيسوية والموسوية، وبيان أي شريعة كان قيامها بالسيف، وذلك للمقابلة بينهما وبين قيام الشريعة المحمدية، والحكم في ذلك بما يقتضيه العدل والإنصاف فأقول: أما الأمور الثلاثة التي اتخذها حضرة مناظرنا حجة على قيام الإسلام بالسيف: فأولها، زعمه باستعمال بعض الصحابة القوة في ردع بعض المقاومين للدعوة قبل الهجرة، وقوله: «كما يؤخذ ذلك عن واقعة حمزة بن عبد المطلب مع أبي جهل في المسجد، وبتأييد الإسلام بحمزة وعمر بن الخطاب؛ لأنهما كانا ذوي بطش وسطوة في قريش.»
والثاني: مشروعية الجهاد في الشريعة الإسلامية.
والثالث: الفتح الإسلامي لاعتباره إياه فتحا دينيا أو هو الدعوة إلى الدين.
ومن تأمل في هذه الأمور الثلاثة بنظر التدقيق لا يجد فيها أدنى دليل يستنتج منه قيام الإسلام بالسيف، وتوضيح ذلك بوجه الاختصار الذي يؤديني إليه فهمي القاصر عن مدارك ذوي الفضل من العلماء الذين هم أقدر مني على التوسع في هذا البحث الجليل بما رزقوه من البسطة في العلم، إن الأمر الأول منقرض بالبديهة؛ وذلك لأن حمزة ما كان من الصحابة حين الواقعة المذكورة كما زعم المناظر، بل صار صحابيا حين أسلم عقب الواقعة المذكورة، وإنما دعاه إلى ردع أبي جهل عن إيذاء النبي
صلى الله عليه وسلم
كونه ابن أخيه وأقرب الناس إليه، وسوء معاملة أبي جهل له واستعماله هو وقريش كل وسيلة من وسائل الحقد والحسد لإيصال الضرر والإهانة إليه، وذلك أمر لا يمكن لبني هاشم السكوت عنه بالطبع وهم عشيرته الأقربون، لا سيما مع ما هو المشهور عند العرب من العصبية التي يبذلون دونها المال والأرواح، لهذا فحمزة رضي الله عنه لم يختص وقتئذ بالدفاع عن النبي
صلى الله عليه وسلم ، بل إن بني هاشم جميعا كانوا يمنعونه من قريش ويحفظونه من كل من أراده بسوء، وعمه أبو طالب كان يذب عنه ويحميه وهو قائم في الملأ يدعو الناس إلى الإسلام، وأبو طالب لم يكن يومئذ من أهل الإسلام، فهل كان يريد هو وغيره من بني هاشم بالذب عن النبي
صلى الله عليه وسلم
Shafi da ba'a sani ba