Risaala Usool at-Tashih - Draft - Within 'Aathaar al-Mu'allami'
رسالة أصول التصحيح - مسودة - ضمن «آثار المعلمي»
Bincike
محمد أجمل الإصلاحي
Mai Buga Littafi
دار عالم الفوائد للنشر والتوزيع
Lambar Fassara
الأولى
Shekarar Bugawa
١٤٣٤ هـ
Nau'ikan
الرسالة الثالثة
أصول التصحيح
(مسوَّدة)
23 / 75
[ص ٤] الحمد لله
أصول التصحيح
الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى.
أما بعد:
فإنِّي منذ بضع سنين مشتغل بتصحيح الكتب العلمية في مطبعة «دائرة المعارف العثمانية»، وتبيَّن لي بعد الممارسة قيمة التصحيح العلمية والعملية، وما ينبغي للمصحِّح أن يتحقق به أوَّلًا، ثم ما يلزمه أن يعمل به ثانيًا.
[ص ٥] ورأيت غالب الناس في غفلة عن ذلك أو بعضه. فمَن لم يشتغل بقراءة الكتب العلمية ومقابلتها وتصحيحها يَبْخَسُ التصحيح قيمته، ويظنُّه أمرًا هيِّنًا لا أهمية له، ولا صعوبة فيه.
ولمَّا كان أكثر المتولِّين أمور المطابع من هذا القبيل عظمت المصيبة بذلك. ولهم طرق:
الطريقة الأولى:
مَن يكتفي بالتصحيح المطبعي، أعني: جعل المطبوع موافقًا للنسخة القلمية. فتارة تكون نسخة واحدة.
[ص ٦] وخطأ هذا بغاية الوضوح عند من كان عنده معرفة علمية واطِّلاعٌ على النُّسخ القلميَّة، فإنها لا تكاد تخلو نسخة قلمية عن خطأ وتصحيف وتحريف، وأقلّ ذلك أن يشتبه على القارئ فيقرأ غلطًا.
23 / 77
وقد رأينا من هذا كثيرًا. نرى بعض النُّساخ يغلط في النسخ كثيرًا، مع أنّ الأصل صحيح ولكنّه أخطأ في القراءة؛ [ص ٧] إمّا لكون خطّ الأصل سقيمًا أو مغلقًا أو غير منقوط، وهذا كثير في الكتب العتيقة؛ أو يشتبه بعض حروفه ببعض، وهذا كثير جدًّا. هذا فضلًا عمّا يكون في الأصل نفسه من الخطأ، فإنَّك لا تكاد تجد كتابًا قلميًّا واحدًا مبرَّأً عن الغلط.
ويقع في أوربا أن يطبعوا الكتاب بطريق التصوير، كما فعلوا بكتاب «الأنساب» للسمعاني. وفي هذا ترك الأغلاط التي في الأصل على ما هي، وزيادة أنَّه عند العكس (^١) كثيرًا ما تخفى النقاط وبعض الحروف الصغيرة.
وتارة (^٢) تكون عدَّة نسخ قلمية، ويُكلَّف المصحح أن يجعل إحداها أُمًّا ويُثبت مخالفات النسخ الأخرى على الهامش. [ص ٨] وفي هذا من النقائص:
١) أنَّه كثيرًا ما تجتمع عدَّة نسخ على الخطأ.
٢) بعض النُّسخ قد تكون مخالفتها خطأً قطعيًّا، فإثباتها تسويد للورق وتكثير للعمل، يؤدي إلى ارتفاع قيمة الكتاب المالية، فيضر ذلك بمَن يريد اقتناءه، وبالمطبعة أيضًا؛ لأنَّ كثيرًا من الراغبين في اقتناء الكتب يصدّهم غلاؤها عن اشترائها. وربما عارضتها مطبعة أخرى، فطبعت الكتاب بنفقة أقل، فباعتْه بثمن أرخص، فأقبل الناس على هذه، وتركوا تلك.
٣) أن هذا العمل يؤدِّي إلى إسقاط لقيمة النسخة المطبوعة وللمطبعة؛
_________
(^١) يعني: التصوير الشمسي، بالأردية والفارسية.
(^٢) كتب المؤلف قبلها: «الطريقة الثانية»، ثم ضرب عليها.
23 / 78
لأنَّ العارف بدل أنْ يفهم مِن إثبات الأغلاط الواضحة أمانةَ المطبعة ومصححها وشدَّة تَحرِّيهم، يفهم أنه ليس فيهم أحد من أهل العلم يعلم أنّ ذلك غلط واضح.
[ص ٩] ٤) أنّ كثيرًا من المطالعين لا يُميِّزون بين الصواب والخطأ، ففي الطبع على الطريقة المذكورة حرمان هؤلاء من بعض الفائدة، وإيقاعُ بعضهم في الغلط، وتكليفهم المشقَّة إذا أرادوا أن يستشهدوا بشيء من الكتاب.
وبعض المصححين ينبِّه على الخطأ بأنه خطأ، وهذا وإن اندفع به بعض النقائص المذكورة، فقد زاد نقصًا آخر، وهو: أن التنبيه على الغلط يلزمه أن يُبيِّن المصحح مستنده [ص ١٠] في التغليط، فيعظم حجم الكتاب، وقد بيَّنا ما فيه.
فأما إذا كان المصحح غير ماهر، فالأمر أشد، فإنَّه قد يصحح الغلط ويُخطِّئ الصواب. وهذا ينقص قيمة المطبوع العلمية والمالية، لأنّ الناظر فيه يرى أنَّ الكتاب لم يُصححه عارف ماهر، وأيضًا ففي ذلك إيقاع لغير العارفين في الغلط.
[ص ١١] ومع ما تقدم، فإننا نقطع أنه لم يُطبع كتاب قط على هذه الطريقة مع استيفاء جميع الاختلافات، فإنَّ مِن نُسخ الكتب التي طُبعت على هذه الطريقة ما لا نقط فيه البتَّة أو نَقطُه قليل. فلو وَفَى المصحح بهذه الطريقة لكانت الحواشي ثابتة مع كل كلمة منقوطة يمكن تصحيفها.
ومن هنا نعلم أن المصحح فزع إلى الطريقة الرابعة (^١)، ولكن لم
_________
(^١) كتب أولًا: «الثالثة»، ثم ضرب عليها وكتب: «الرابعة».
23 / 79
يعتمدها مطلقًا، بل خلَط وخبَط. وفي هذا مفسدة عظيمة، فإن وليَّ أمرِ المطبعة إنما يأمر المصحِّح بالتزام الطريقة [ص ١٢] الثانية لأنه لا يرى الاعتماد على معرفته، فيحمله ذلك على إحالة التصحيح إلى غير عارف ثقةً بأنه لا حاجة للمعرفة إذْ كان الطبع مقيدًا بالنسخ، وفي هذا ما فيه.
[ص ١٣] الطريقة الثانية (^١):
وهي الرائجة في بعض المطابع في مصر وغيرها، أن يُقاول صاحب المطبعة بعض أهل العلم والمعرفة على تصحيح الكتاب الذي يريد طبعه، ويدفع إليه النقل الذي يُراد الطبع عليه، وذلك غالبًا بعد مقابلته بالأصل. فيصحح هذا العالم بمعرفته ونظره، وبمراجعة المظانّ من الكتب العلمية، ويكتب تصحيحاته على النقل. ثم يأخذه صاحب المطبعة، ويكتفي به في التصحيح الحقيقي [ص ١٤]، ويكتفي عند الطبع بمن يصحح تصحيحًا مطبعيًّا، أعني: الذي يطبق المطبوع على ذلك النقل.
ففي هذه الطريق (^٢) ثلاثُ أيدٍ تناوب التصحيح:
الأولى: التصحيح بالمقابلة على الأصل.
الثانية: التصحيح الحقيقي.
الثالثة: التصحيح المطبعي.
وفيها نقائص:
الأولى: أنّ التصحيح بالمقابلة كثيرًا ما يوكل إلى غير أهل.
_________
(^١) كتب أولًا: «الثالثة»، ثم أصلحها.
(^٢) كذا في الأصل بدلًا من «الطريقة». و«الطريق» يذكر ويؤنث.
23 / 80
فإنّ التصحيح بالمقابلة ينبغي أن لا يعتمد فيه إلا على عالم ممارس للتصحيح.
[ص ١٥] أمّا كونه عالمًا، فلأمور:
الأول: أن النسخ القلمية كثيرًا ما تكون غير منقوطة، ويكون خطها رديًّا أو مغلقًا، أو يشتبه فيه بعض الحروف ببعض؛ فالمقابل إذا لم يكن عنده أهلية تامة، فإنه يقلد الناسخ ويتبعه.
الثاني: أن النُسخ القلمية كثيرًا ما يكون فيها الضَّرب والتضبيب، وغير الماهر قد لا يفهم ذلك.
الثالث: أن النُّسخ القلمية كثيرًا ما يكون فيها الإلحاق والحواشي، وغير الماهر ربّما وضع الإلحاق في غير موضعه، [ص ١٦] وربّما اشتبه عليه الإلحاق بالحواشي، فيجعل الحواشي إلحاقًا، وعكسه، وهذا موجود بكثرة.
الرابع: أن الناسخ إذا كان شِبْهَ عارفٍ، فكثيرًا ما يتصرف بمعرفته، فيُحرِّف ويصحف، ويبدِّل ويغيِّر؛ كما وقع في نسخة كتاب (الاعتصام) للشاطبي، ونبَّه عليه مصحّحه السيد محمد رشيد رضا. فإذا كان المقابل غير أهل قلَّد الناسخ.
الخامس: أنّ غير المتأهل لا يكون عنده غالبًا ما يحمله على شدَّة التَّحرِّي.
[ص ١٧] السادس: أنَّ النِّساخة كثيرًا ما يكون بالإملاء، يمسك شخصٌ الأصل ويُمْلي على الناسخ، فينسخ هذا بحسب ما يسمع، وكثيرًا ما تتشابه الكلمات لفظًا وتختلف خطًّا، مثل: علا وعلى، وحاذر وحازر عند مَن يَنطِق
23 / 81
بالذَّال زايًا. ونحوه: حامد وهامد، وثائر وسائر، وقال وخال، وقريب وأريب وغريب، [ص ١٨] وأشباه ذلك كثيرة.
والمقابلة تكون بين اثنين أيضًا، فإذا لم يكن المقابل أهلًا، لم يتنبه لتصحيح الأغلاط الناشئة عما ذكر. إلى غير ذلك.
وأما كونه ممارسًا للتصحيح، فلأنَّ غير الممارس لا يكون عنده صبر الممارِس وتأنِّيه وتثبّته ومعرفته بمظانّ الغلط.
وسيأتي إيضاح هذا ــ إن شاء الله تعالى ــ في شروط المصحِّح.
النّقيصَة الثانية:
أنّ المصحِّح الأوسط، وإن كان بغاية العلم والمعرفة، [ص ١٩] قد لا يتبيَّن له الغلط، أو يتبيَّن له ويرى أنَّ ما وقع في النقل محتمل من حيث المعنى فيدعه أو ينبِّه عليه في الحاشية، وفي ذلك تكبير حجم الكتاب. وإن أهل العلم لا يعتمدون على التصحيح في الحاشية اعتمادهم على ما هو ثابت في الأصل. وأهمُّ من ذلك أنّ أهل العلم يرون أن الأصل المنقول منه غير صحيح ولا معتمد.
والشاهد على هذا كتاب (الاعتصام) للشاطبي، فإن العلَّامة السيد محمد رشيد رضا [ص ٢٠] صحَّحه معتمدًا على نقل كان ينسخ من النسخة التي في المكتبة الخديوية، وكان يجد أغلاطًا في النقل كثيرة، فمنها ما أصلحه، ومنها ما نبَّه عليه، ومنها ما تركه. وكان يظنّ أنّ الخلل في الأصل، ثم تبيَّن له بعدُ أنّ الأصل صحيح في الجملة، وأن معظم الخلل إنما هو في النقل؛ إذْ كان الناسخ يبدِّل ويغيِّر برأيه.
23 / 82
وثانيًا: أنّ هذا المصحح الأوسط لا يكون عنده في الغالب مكتبة جامعة تتوفّر فيها الكتب التي ينبغي للمصحِّح مراجعتها.
[ص ٢١] وثالثًا: أنه يكون غالبًا ممن لم يمارس التصحيح. وسيأتي في شرائط المصحِّح أنّ الممارسة من أهمِّها.
ورابعًا: أنه في الغالب لا يكون له معاون مثله أو قريبًا منه في المعرفة. وسيأتي في شرائط المصحِّح أن اجتماع مصححين ذوي أهليّة له أهمية عظيمة.
وخامسًا: أنه يكون في الأكثر غير منتصب لتصحيح الكتب ولا متّخذ لذلك حرفة، ولا شك أنّ المتَّخذ لذلك حرفة أحْرَصُ على الإتقان من غيره.
[ص ٢٢] وسادسًا: الغالب أنّ ذوي المطابع لا يعطون هذا المصحح الأوسط الأجرة التي ترضيه، بل يساومونه فيأخذ منهم ما سمحوا به. وبقدر ما نقصوه، تضعف همَّته عن احتمال المشقَّات في إتقان العمل، كما في سائر الصنائع.
[ص ٢٣] النقيصة الثالثة:
أن صاحب المطبعة يكتفي في هذه الطريقة بأنْ يكِلَ التَّصحيح المطبعي إلى مَن ليس عنده أهْليَّة تامّة، ولا ممارسة كافية، لأنَّه يرى أنَّه ليس على هؤلاء إلا التصحيح المطبعي، أعني: تطبيق المطبوع على النقل الذي صحَّحه المصحِّح.
ولكن هذا التصحيح معناه المقابلة بأنْ يمسك شخصٌ النَّقل المُصحَّح، وآخر الأوراق المطبوعة، فيقرأ ممسك الأوراق غالبًا؛ وربما يقع في
23 / 83
الأوراق المطبوعة [ص ٢٤] أغلاط تشتبه مع الأصل لفظًا، فلا يتنبّه لها ممسك الأصل، وربَّما لا يكون عند هذين من الممارسة للتصحيح ما يحملهما على التثبُّت والتّأنِّي والمقابلة كلمةً كلمةً.
وأيضًا فقد يعرض عند الطبع تبدُّل وتغيُّر مثل كلمة «ابن» بين عَلَمَين تكون في النقل في السطر الأول، فتسقط الألف ثم تكون في الطبع أولَ سطر [ص ٢٥] فيدعها هذان بلا ألف أيضًا مع أنّ الصّواب إثبات الألف حينئذٍ. وقد يقع في الكتاب مثلًا: «وكان عبد الله من أهل الغفلة»، فيقع (عبد الله) في النقل المصحَّح في سطر، ويقع في المطبوع (عبد) في سطر وكلمة الجلالة في سطر آخر، ومثل هذا مكروه، ولهذا نظائر.
[ص ٢٧] (^١) الطريقة الرابعة (^٢):
أن ينشئ ولي أمر المطبعة على نفقتها محلًّا للتصحيح، ويرتِّب فيه مكتبة، ثم عندما يريد طبع كتاب يُقاول بعض أهل العلم على تصحيحه في مكتبة المطبعة. وهذه كالتي قبلها تقريبًا.
[ص ٢٨] الطريقة الخامسة (^٣):
أن ينشئ صاحب المطبعة مكتبة ويرتب فيها مصحِّحين يتقاضون مُرَتَّبات شهرية، ويتولّون التصحيح بأقسامه الثلاثة: المقابلة، والتصحيح
_________
(^١) ص ٢٦ فارغة.
(^٢) كتب أولًا: «الثالثة»، ثم ضرب عليها وكتب: «الرابعة»، مع أن الطريقة السابقة هي «الثانية» بعد إصلاح المؤلف. فهذه الثالثة والتي بعدها هي الرابعة.
(^٣) كذا في الأصل. وانظر الحاشية السابقة.
23 / 84
الحقيقي، والمطبعي؛ وتكون المقابلة على نُسخٍ قَلميَّة عديدة إن وُجدت أو واحدة فقط.
وهذه أصوب الطُّرُق وأولاها بالسلامة من النقائص، على شرط أنْ يكون المصحِّحون ذوي أهليّة وخبرة.
23 / 85