فهل بقيت بعد ذلك حاجة تضطرني إلى اختتام القول بأن الاسترقاق بالوجه الشرعي لا يمكن تحققه، ولا يتأتى حصوله في هذه الأيام، وأنه على ذلك يتسنى للحكومة المصرية بلا منازعة أن تنادي بحرية جميع الموالي الذين بوادي النيل، حتى تكون قد أيدت وأوثقت عهد إلغاء الاسترقاق، وإنه ليحق لي بعد هذا - بل يجب علي - أن أجاهر على رءوس الأشهاد بأن حضرة الكردينال لافيجري، هو وكل من يرى رأيه ويذهب مذهبه، واقعون بلا مشاحة في أشد الخطأ، بعيدون عن الصواب بزعمهم أن ديننا القويم يساعد على اصطياد الرقيق، وأن الإسلاميين يعتقدون ويقولون بأن الزنوج ليسوا من الإنسان، بل إن مقامهم أدنى من مقام الحيوان.
هوامش
الفصل السادس
الكلام على الرق في مصر من حيث العرف والأخلاق
ولنأت الآن بكلام وجيز على الكيفية التي عومل بها الرقيق من حيث العرف والأخلاق والعادات في مصر.
إذا صرفنا النظر عن الأحوال الاستثنائية القليلة التي كان بعض الأسياد فيها يهينون عبيدهم، ويسيئون معاملتهم، بل ويعدمونهم حياتهم، يجمل بنا أن نقول بأن هذه الأعمال لا يتأتى الآن تكررها، ولا يمكن لأحد الإقدام عليها، والفضل في ذلك راجع لحكومتنا الحالية النظامية الدستورية، ولعناية ولي نعمتنا الذي بسط جناح رعايته على جميع أفراد رعيته.
على أننا نقول: أي بلد يخلو من خبثاء شريرين لا يرعون عهدا ولا زمة ؟ فهل يصح للإنسان أن يحمل آثام هؤلاء النفر القليل على عاتق أمة بأكملها؟
وإذا صرفنا النظر عن هذه المغايرات النادرة، واعتبرنا حالة الرقيق العامة، رأيناها أفضل من حالة الخدم الآخرين، فإن سيد الرقيق كان يرعاه ويشفق عليه أكثر من غيره، لكونه منقطعا لا عائلة له، وكان يأمره بما لا يشعر بالشدة والعنت والعنفوان، وما كان يسعى في تحقيره وإذلاله، وكان كثيرا ما يعتق العبد ليزوجه، أو الأمة ليتزوجها.
وكثير من المسلمين يعتقون أرقاءهم بعد أن يخدموهم عددا معينا من السنين، إطاعة لما أمرتهم به شريعتهم الإلهية، فإنها أكثرت من وصايتهم بهذا العمل الخيري الإنساني، بل إنهم يزوجون الإماء بأبنائهم ويمهرونهن بحسب ثروتهم، ويربون أولاد أرقائهم ويعتقونهم ويسعون لهم في وظائف ينالون منها الرزق، وقد خرج من هذه الطائفة ملوك وسلاطين مثل كافور الإخشيدي الذي تولى على بلاد مصر من سنة 966 إلى سنة 968 ميلادية، وكثيرين غيره من الموظفين ذوي المناصب السامية والمقامات العالية ممن خدموا بلادهم بالصدق والأمانة، مثل آدم باشا الذي كان قائد الجيش المصري، ومثل ألماس بك الذي كان ميرالايا في الجيش المصري المبعوث إلى المكسيك في أمريكا، على عهد المغفور له سعيد باشا، وغيرهما من العدد العديد.
ولا يجهل أحد ما كان للطواشية (الخصيان) من الشأن الأكبر والنفوذ المهم في القسطنطينية وفي مصر القاهرة، ففي بلادنا كان أعاظم القوم وسراتهم يتملقون ويتزلفون إلى ألماس أغا طواشي والدة عباس باشا، وخليل أغا طواشي سعيد باشا، ثم خليل أغا المشهور طواشي والدة الخديوي السابق، وكلهم قد جاءوا من بلادهم في أحقر الحالات وأنكدها، فساق الله لهم السعادة، ورزقهم الغنى الوافر والثروة الطائلة.
Shafi da ba'a sani ba