وعندما جاء عمرو بن العاص لفتح مصر بعث إلى المقوقس عظيم القبط وعاهل الروم على مصر الوسطى وفدا تحت رئاسة زنجي اسمه عبادة بن الصامت
31
ليتخابر معه في شأن الصلح، فلما قدم الوفد على المقوقس تقدم عبادة في صدر أصحابه، فهابه المقوقس لسواده وعظم جثته، وقال: «نحوا عني هذا الأسود وقدموا غيره يكلمني.» فأجابوا: «إن هذا أفضلنا رأيا وعلما، وهو سيدنا وخيرنا والمقدم علينا، وإنما نرجع جميعا إلى قوله ورأيه، وقد أمره الأمير دوننا بما أمره، وأمرنا أن لا نخالف رأيه وقوله.» فقال المقوقس: «وكيف رضيتم أن يكون هذا الأسود أفضلكم، وإنما ينبغي أن يكون هو دونكم؟» فقالوا: «كلا، إنه وإن كان أسود كما ترى فإنه من أفضلنا موضعا وأفضلنا سابقة، ورأيا وعلما، وليس ينكر السواد فينا.» وحينئذ أذعن المقوقس لسماع أقواله وطلباته.
32
فما أوردناه من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية والشواهد التاريخية يحق لنا الأمل بأن حضرة الكردينال لافيجري يدرك أن الأرقاء لهم في البلاد الإسلامية نفس الحقوق التي يتمتع بها الأحرار، وأنه لم يصب صوب الصواب حينما جاهر «بأن المسلمين يعتقدون ويعلمون بأن الزنجي ليس من العائلة البشرية، وأن مقامه يكون بين الإنسان والحيوان، بل إن بعضهم يجعلونه أدنى من الحيوان»!
الفرع الثالث: في نكاح الأرقاء
لا يكاد الإنسان يتمالك، من الغيظ والحنق، إذا ذكر الحدود والعقوبات التي فرضتها أمم الشمال على الرجال والنساء، الذين يتزوجون بالأرقاء، فإنهم كانوا يقعون في ربقة الرق والاستعباد.
أما شريعة الويزيقوط فكانت من القساوة بحيث لم يسمع لها بمثيل؛ إذ قد نصت «على أن المرأة الحرة التي تتزوج برقيقها أو بمعتوقها تحرق هي وهو وهما على قيد الحياة».
فانظر الآن إلى الإسلام فيما يختص بهذا النوع من الأنكحة؛ قال الله تعالى:
ومن لم يستطع منكم طولا - أي غنى واعتلاء، وأصله الفضل والزيادة -
Shafi da ba'a sani ba