58

ووجدته يوما يردد كلمات «نفق ونبق ونبك» بتفخيم الباء والكاف؛ لأنه كان يشك في أصل كلمة «النفاق» ويحسب أن اجتماع الفاء والقاف في هذا الوزن قليل في اللغة العربية، مطروق في اللغات السامية والتركية.

قلت له: «لقد اجتمعتا في كلمتي الفقر والفراق، وهما عربيتان بلا خلاف.» قال ضاحكا: «يا سوء ما اجتمعتا: فقر وفراق !»

وتطرقت الأحاديث كثيرا إلى مسائل الدين، ولم يكن يكتم رأيه أن الخلاف قائم بين بعض العقائد وبعض المشاهدات العلمية، ولكنني لم أسمعه قط يتكلم عن الدين في إجماله بغير الاحترام، ولم يكن له موقف من الديانات ورجالها غير موقف «سيد المجتمع» من العلمية المسئولة، وهو كما رأيت منه في شتى المناسبات شبيه بموقف الرجل المهذب أمام الشيخ المطاع، بما له من حق السن والخبرة في كل ما خالفته فيه.

وكذلك كان الفيلسوف الوديع في عادات تفكيره وسلوكه: إنسانا اجتماعيا يعطي العلم والعمل حقهما، ولا ينسى حقا من حقوق العرف والتقاليد.

جميل صدقي الزهاوي

1

من اللمحة الأولى تمثل لي كل ما في طوية هذه «الشخصية» القلقة من نقائض التفكير: حماسة تختلج لها كل أعصاب جسده ويتهدج معها صوته وتتلاحق فيها كلماته ونبراته، وفيم هذه الحماسة؟

في النداء بالعقل وحده، دون أن تخامره سورة من حماسة العاطفة والخيال.

ذلك هو الزهاوي في حديثه، وذلك هو «الزهاوي» في صفحات كتبه ودواوينه.

دعوة إلى برهان الواقع والمنطق، وصرخة من صرخات الشعور، كأنها فقدت كل برهان وكل وسيلة من وسائل الإقناع.

Shafi da ba'a sani ba