52

فكانت الخاصة في عهد أحمد فؤاد تتولى الإنفاق على أبناء بعض الكتاب في المدارس المصرية والأجنبية.

وكانت هذه الخاصة - مع مكتب المصروفات السرية - تنفق على إنشاء المطابع والمجلات؛ لمحاربة الأدباء المخالفين لسياسة القصر والمناصرين لدعوة غير دعوته الخفية أو العلنية.

في هذه الفترة نشأت المدرسة الأدبية التي ينتمي إليها كاتب هذه السطور، وفي هذه الفترة تعرضت هذه المدرسة للتشهير والتنديد في الصحف الأسبوعية التي تخصصت للهجاء الاجتماعي والمناورات الأدبية والسياسية ، وكلها صحف يعرف من عرفوها أنها تقصد بحملاتها من يبذلون المال في سبيل اتقائها، ولا يعنيها أمر أمثالنا من الناشئين الفقراء، إلا أن يكون مصدر الحملة من ورائها، لا من بين يديها!

وتقدير الحملات الأدبية، والمدارس الفكرية أيضا، في هذه الفترة المتأخرة يعود بالناقد المحقق - لا محالة - إلى ما وراءها في سراديب القصر وحواشيه، فلا حيلة له في اجتناب هذه الناحية الخفية لتصحيح الحكم على طبيعة كل حملة أدبية ولباب كل خصومة عامة أو خاصة بين القائمين بها، وإن لم يكن كله لازما في أمر المدارس المتأخرة لزومه في أمر المدارس على عهد الأدباء الأسبقين.

ونظرة واحدة إلى ما وراء الستار قد تغني عن بحوث مستفيضة يجتهد لها الباحثون لوزن الدعوة أو وزن الحملة بميزانها الصحيح، فلن يدرك الباحث حق الأسلوب من الرفق أو الشدة، ومن الاعتدال أو الاندفاع، إذا كان نظره قاصرا عما يستدعيه ويدفع بصاحب القلم إليه، فإن الأسلوب الذي يستدعيه نقد فكرة غير الأسلوب الذي يستدعيه إحباط مكيدة من وراء الستار، يمالئها سلاح السلطان كما يمالئها سلاح الدرهم والدينار.

الدكتور يعقوب صروف

كنت في زيارة للقاهرة حين لقيت الدكتور يعقوب صروف صاحب «المقتطف» حوالي سنة 1905.

وكانت زيارات القاهرة فرصة للبحث عن الكتب الخاصة التي لا تصل إلى الأقاليم مع الباعة المتجولين، وقد يتطلب البحث عنها زيارة حي «الكتبية» إلى جوار الأزهر، أو زيارة حي الفجالة حيث تباع المطبوعات العصرية؛ لأن قوائم المكتبات لم تكن يومئذ شيئا معروفا في بيئات النشر والمطالعة، وكان المعروف المتداول منها لا يغني عن البحث في المطبعة التي طبعت الكتاب والمكتبة التي تبيعه، وقلما يباع في سواها.

أما الكتاب الذي قصدت إلى دار المقتطف في مدخل شارع عبد العزيز للبحث عنه، فهو كتاب «الكائنات» للشاعر الباحث العراقي جميل صدقي الزهاوي، وكانت مجلة المقتطف هي التي تولت طبعه في القاهرة؛ لأنه يبحث في موضوع من موضوعات «فلسفة ما وراء الطبيعة»، وهي تلك الموضوعات التي كانت تثير الريبة في الأقطار الشرقية إلى ما بعد أوائل القرن العشرين.

ولقد كان لقاء الدكتور يعقوب صروف - فيلسوف العصر عند المحدثين - هو الغرض الأول من زيارة الدار؛ إذ كان في وسعي أن أسأل عن الكتاب بمخزن المطبوعات هناك، وكان في وسع عامل المخزن أن يتولى إخراج الإذن ببيعه من رئيسه في إدارة المقطم أو إدارة المقتطف، ولكنني قدمت إلى القاهرة من مدينة «قنا»، حيث كنت أعمل تلميذا بالقسم المالي في انتظار التثبيت، وأنا خارج من إحدى «المعامع» الأدبية أو الفكرية، التي كان «يعقوب صروف» محورا من أهم محاورها الكثيرة طوال أيام الحرب الروسية اليابانية.

Shafi da ba'a sani ba