ويقول المطلعون على أحوال القصر إن المويلحيين أوشكا في وقت من الأوقات أن يبلغا مطلبهما من الأمير، وهو مركز شاعر الأمير للمويلحي الكبير، ومهمة الدفاع عن سياسته للمويلحي الصغير.
وربما كان إبراهيم المويلحي أصلح أبناء عصره لوظيفة الشاعر في قصر الإمارة، كما كانت تفهم في تلك الحقبة؛ لأنها كانت وظيفة تجمع بين نظم الشعر لمناسباته ومواسمه، وبين منادمة الأمير في مجالسه وسهراته وساعات طربه وخلوته لسماع المغنين والمغنيات، ولم يكن إبراهيم المويلحي دون علي الليثي ومحمود أبي النصر في فن النظم ولا في المنادمة، بل كان أعرف منهما بأدب العرب والإفرنج، وأقدر منهما على الحديث في مختلف شجونه، وقدرته على نظم التواريخ بعدد الحروف المعروفة بتواريخ «الجمل» لم يكن يدانيها أحد من معاصريه، وقد كانت هوى الملوك والأمراء من شعر المديح لتسجيل أوقاته ومواعيده، فلم ينظم شاعر من هذا الفن قصيدة تضارع قصيدة المويلحي الكبير التي استقبل بها عباسا الثاني (سنة 1902)، وكل شطر منها تاريخ للسنة الهجرية (سنة 1220) يوافق معاني الكلمات في غير تكلف ظاهر يقتضيه التوفيق بين النظم ومجموع الأرقام، وهذه أبيات منها:
وافى الخديوي فحسب النيل أفراحا
واستبشر الناس لما نجمه لاحا
والمجد ينصره والقطر يشكره
والملك يذكره بالعدل إن ساحا
وقد كان الخديو عباس يأنس لإبراهيم المويلحي في مجالسه، ويعلم ولع جده إسماعيل بمسامرته ومنادمته، فضلا عن الاعتماد على لباقته للسفارة بينه وبين ولاة الأمر في الدولة العثمانية، ويعلم أن جده قد بلغ من ولعه به أنه اصطحبه دون غيره من أصحابه وندمائه عند مفارقة القطر إلى منفاه. ولعله كان موضع اختياره شاعرا له لولا اعتراض المحتلين على تقرير هذه الوظيفة في الميزانية؛ لأن النظام المالي في حكومات العصر الحديث لا يعرف عملا يسمى عمل الشاعر أو النديم الخاص بمجالس الملوك والأمراء، ومن أجل هذا سميت وظيفة «أحمد شوقي» باسم رئيس الديوان العربي، ولم تعرف «رسميا» باسم شاعر الأمير.
وربما كان طموح الوالد إلى هذه الوظيفة سببا من أسباب نقد ابنه لشعر شوقي وقوله - على الخصوص - إنه لم يكن يحسن الحديث عن الملوك والأمراء، ولولا ذلك لما تحدث عن إسماعيل، وهو يقول عنه إنه: «الخديو المشار إليه»، ولا تحدث عن توفيق فقال: «ثم مد إلي العزيز يده فقبلتها واجما .» ولا أذكر أنه كان يركب حمارا أبيض وهو يذهب للقاء الأمير، ولا أكثر من مقدمته من الزهو والسهو والحشو كما قال، ولا شبه العزيز بعمر بن الخطاب فقال وهو يصف حفلة الاستقبال:
فهو بينهم عمر
والوفود تنتدب
Shafi da ba'a sani ba