وقد أشاد كرومر بالوفاق الإنجليزي الفرنسي الذي تم على يديه، فسرد له «الشيخ علي» سلسلة من الإساءات إلى الثقافة الفرنسية والخبراء الفرنسيين، وأنه يفعل ذلك «ليس حبا في مصلحة مصر، ولكن ليحل محل كل قدم فرنساوية قدما إنجليزية».
ولم يكن كرومر ليعدل عن هذه الخطة مرة إلا إذا جاءه الأمر من رؤسائه في العاصمة البريطانية.
والحق أن براعة علي يوسف في التعقيب على أقوال كرومر كانت هي البراعة «الموصوفة» للرد على كل كلمة فيها بما يناسبها ويقلبها على صاحبها عند أنصاره قبل خصومه والشامتين به وبعهده، وقد قلنا - فيما تقدم: إن مقالة علي يوسف هي مقالة علي يوسف التي لا يكتبها غيره، وإن كتب ما هو أجمل منها وما هو أبلغ منها وأوفى.
فهذه المقالات في توديع كرومر هي بعض الشواهد على هذه «الخصوصية اليوسفية»؛ إذ لم يكتب أحد من مودعي كرومر نظيرا لها بهذا الأسلوب «الدبلوماسي العصامي» الفريد، وإن كتبوا على أساليبهم ما هو جدير بالإعجاب من ناحيته في عبارته وفحواه.
ولم يستغرق هذا الأسلوب الدبلوماسي قلم الشيخ الألمعي في كل ما كتب من مقال أو خبر، فقد كان للكاتب «الإنسان» قلمه الذي يجري على هذه الطبقة من الفصاحة وحسن الأداء، ويجري كذلك مع العاطفة التي كان يأبى لها أن تقوده في مواقف السياسة والمطالب العامة، ولكنها العاطفة في نفس «العصامي» الذاكر لعصاميته، كيفما تقلبت به الحال بين الرضا والغضب، أو بين الفرح والأسى.
وله في رثاء ولده الوحيد عمر كلمات كتبها يوم نعيه ويوم تشييعه، لم يحتفل لها بعدة من عدد البلاغة غير الشجن والتجلد والتسليم للواقع الذي بطلت فيه حيلة الألسنة والأقلام كما بطلت فيه حيلة العقول والقلوب.
نعاه قلمه فقال:
فقد صاحب هذه الجريدة الساعة السادسة بعد ظهر أمس ولده الوحيد - عمر يوسف - في الحادية عشرة من عمره، بعد مرض قليل الأيام كثير الآلام. فإلى الله مآبك يا عمر، وإلى الله مآبك أيها الزهر الذي قطفه الموت في أزكى شذاه.
إلى الله مآبك أيها الكبد الذي يمشي على الأرض، ثم هوى إلى حفرة أبدية يسمونها القبر، ولو استطعنا لكان في القلب، بل هناك قلبان أولى بهما أن يكونا قبره: قلب والده الحزين وقلب أمه الثكلى.
وعاد من تشييع جنازته فكتب الخبر بقلمه وهو يمحو سطوره بدموعه، وقال بعد كلمات:
Shafi da ba'a sani ba