بعد عامين وفي يونيو عام 1970 سافرت إلى طهران لحضور مؤتمر طبي عن تحديد النسل، وسافر معي طبيب آخر يعمل في جهاز تنظيم الأسرة اسمه الدكتور «سرور»، استخرجنا تذاكر السفر ثم ذهبنا إلى السفارة الإيرانية في القاهرة وكتبنا طلبا للحصول على تأشيرة الدخول إلى طهران.
وحصل الدكتور «سرور» على تأشيرة الدخول. أما أنا فلم أحصل عليها، وقال لي أحد موظفي السفارة: رفضت السلطات في طهران إعطاءك التأشيرة. وتساءلت في دهشة: لماذا؟ وقال الموظف: لا أعرف؛ فالرفض يأتي بدون إبداء الأسباب.
وخرجت من السفارة الإيرانية حزينة. كنت أريد السفر إلى إيران مرة أخرى، والسير في الطريق الصاعد نحو الجبل حتى شميران، ثم الزقاق الضيق والبيت القديم ذي الحديقة الصغيرة، والحديث الطويل حتى الليل مع جلال آل أحمد وسيمين دانشوار.
وعلى الباب الخارجي للسفارة سمعت صوتا من خلفي، ورأيت شابا إيرانيا طويلا نحيلا أشيب الشعر يشبه جلال آل أحمد، قال: قرأت مقالك منذ عامين بمجلة المصور، لكن مخابرات الشاه كتبت تقريرا ضد المقال.
وتساءلت: أي مقال؟
قال: مقالك عن جلال آل أحمد الذي نشر بمجلة المصور عدد رقم 2309 في 10 يناير 1969، ودهشت لقدرته على الاحتفاظ في ذاكرته برقم العدد وتاريخ صدوره رغم مرور عامين، وأنا نفسي نسيت المقال، ولم أكن أحتفظ بالمقالات التي أكتبها، وسألت: من أنت؟ وهل تعمل بالمخابرات الإيرانية؟
وابتسم: لا، ولكني أعمل بالسفارة في القسم الصحفي، وأعجبني مقالك؛ فأنا أحب جلال آل أحمد، وهو كاتبي المفضل، وتألمت كثيرا لموته.
وانتفضت: مات؟!
قال بصوت خافت: نعم، في ظروف غامضة.
وسرت فوق جسدي القشعريرة القديمة ذاتها، وتراءى لي جلال آل أحمد وهو واقف ممسكا بالباب، وشبح أسود في الظلمة من ورائي كأنما يتبعني.
Shafi da ba'a sani ba