وصار للأمير علاقات بأمم أجنبية مختلفة ، فأنى توجهت لقيت ترحيبا. ويعم المدينة الطمأنينة والنظام. حتى ليمكنك أن تسري طول الليل في شوارعها دون أن يعترض سبيلك أحد. ويجلب الهولنديون إلى البصرة التوابل كل سنة ، ويحمل إليها الانكليز الفلفل وشيئا من القرنفل. أما البرتغال فلا تجارة لهم معها ويجلب إليها الهنود نسيج قالقوط والنيل وشتى أنواع السلع. وبوجيز الكلام ، أن في البصرة تجارا من مختلف البلدان : من القسطنطينية وأزمير وحلب ودمشق والقاهرة وغيرها من الأصقاع التركية ، يقصدونها لشراء مثل هاتيك البضائع التي ترد إليها من جزر الهند ، فتحمل على الإبل المشتراة من هناك ، وهي التي يبيعها عرب البادية في المدينة. إن التجار الوافدين من ديار بكر والموصل وبغداد وما بين النهرين ، يشحنون بضاعتهم بطريق الماء في دجلة ، إلا أن وراء ذلك تعبا منهكا ونفقات طائلة ، لأن السفن التي يسيرها الرجال لا تتمكن من قطع أكثر من فرسخين ونصف فرسخ في اليوم ، وليس بوسعها السير ضد الرياح ، مما يضطرهم في الغالب إلى اجتياز الطريق بين البصرة وبغداد بأكثر من ستين يوما ، بل هناك من العقبات ما يطيل في أمد سفرهم فوق الماء إلى ثلاثة أشهر.
ويستوفي الجمرك في البصرة خمسة بالمائة ولكن موظفي الجمرك أو الأمير نفسه ، يتكرمون على أصحاب البضائع عادة ، فلا يتقاضون منهم أكثر من أربعة بالمائة. ومدخول أمير البصرة شيء كثير قد يبلغ ثلاثة ملايين ليرة (1) في السنة. ويتكون دخله من أربعة موارد : النقود ، والخيل ، والإبل ، والنخيل. والمورد الأخير رأس ثروته لأن البقاع الممتدة من ملتقى النهرين حتى البحر ، وهي مسافة ثلاثين فرسخا ، مغطاة كلها بالنخيل. ولا يجسر أحد على لمس ثمرة واحدة منها ما لم يدفع عن كل نخلة ثلاثة أرباع الطويلة ( Larin ) أو تسعة سوات فرنسية. أما الربح الذي يحصله الأمير من النقود ، فيرده بالوجه التالي : على التجار الذين يأتون من الخارج أن يحملوا ريالاتهم
Shafi 72