«رأيت فى صحراء «هيهات» قوم القالموق أكلة لحوم البشر ، إنهم يأكلون لحم موتاهم ، وقد خنقوا بعض أسرارهم من النوغاى وأكلوا لحومهم إلا أنهم لم يذبحونهم حتى لا تتسرب دماؤهم فهم يخنقونهم ويطبخونهم ويأكلونهم ، ويقولون أن ألذ اللحم لحم البشر والثعابين والخنازير ، كما يقولون أن إلية الخنزير وإلية البشر ألذا ما يكون طعما.
وواقع الأمر أن بين الترك من هم على مذهب القالمق ، ويعرفون ذلك حق العرفة أما أنا فقد شاهدت ذات مرة أحدا يقبل حسناء فدبت فيه الحياة وشعر بمزيد من السرور فأدرت من ذلك أن لحم البشر لذيذ.
ومن المبالغات والمتناقضات لأوليا جلبى ما ذكره فى الفصل الثامن والخمسين قائلا «إن عدد المصابين بالرمد فى مصر مالا يعلمه إلا الله فى حين أنه لا وجود لكحال ماهر فيها ، وجيادها كثيرة فى حين إنه لا وجود فيها لبيطار ، ومرضاها كثير فى حين إنه لا وجود لطبيب يعالجهم ، وكثير منهم تورمت خصيته حتى تمزقت ولا يجد له جراحا ، ورجالها كثير فى حين أنه لا وجود لحاكم يحكمهم ، وما أكثر قضاتها فى حين أنه لا وجود لمن يقول الحق فيها ، وما أكثر شهود الزور فيها ، وما أكثر المعاندين فيها فى حين إنه لا وجود لمن يتفوه بكلمة طيبة ، وجندها كثرة فى حين أنه ليس لهم ضابط ، ويتملقون جندهم ، وما أكثر القائمين على جباية الضرائب فى حين أنه لا وجود لمحاسب ذى ضمير ، وهذه العبارات أصبحت أمثالا تضرب فى مصر وهى تدور على ألسنة الناس.
والعجيب فى مقولة أوليا جلبى هذه أنها تتناقض بعض الشيء مع ما ذكره قبل ذلك فى رحلته ، فبالنسبة للمرضى ذكر أن بها بيمارستانات وأنها تعالج المرضى مجانا ، وعن قول الحق قال قبل ذلك أن مصر لا يضيع فيها الحق «وأن بمصر إحقاقا للحق ليس له من وجود» ، وأن بها جراحين لعملية ختان البنات والصبيان ، كما أن كلامه ذلك كلام مطلق فليس من المعقول أنه لا يوجد واحد فقط يقول الحق أو واحد فقط يتكلم كلمة طيبة أو محاسب ذى ضمير ، رغم أن أوليا جلبى ذكر فى فضائل أهل مصر ومحاسنهم كثيرا من الأخلاق الحميدة ، التى أعجب هو بها وذكرها فى كتابه ، مثل وقوفهم بجوار بعضهم البعض فى حالات الوفاة ، والختان وغيرها من المناسبات الاجتماعية.
Shafi 35