Tafiya ta Farko don Neman Tushen Ruwan Tekun Fari: Kogin Fari
الرحلة الأولى للبحث عن ينابيع البحر الأبيض: النيل الأبيض
Nau'ikan
الخميس 28: زايلنا مكاننا عندما أسفر الصبح. فبعد مسيرة ساعة رأينا بالضفة الغربية أكثر من ثلاثمائة رجل مسلح من قبيلة البقارة يصيحون كالأمس طالبين منا الوقوف، فلكي نقف على ما كانوا يرغبونه بهذا الصياح أرسلنا إليهم زورقا صغيرا عاد إلى ذهبيتنا بشيخ مسن من شيوخهم اسمه حيدر، فقلنا له إنه لم يكن من قصدنا إلحاق الأذى بأحد، وإطاعة لما أمرنا به صاحب السمو مولانا أتحفناه بخلع من الثياب النفيسة وعمامة فاخرة، ثم أنزلناه في الزورق وأوصيناه بأنه إذا كان هناك شيوخ أخر فلا بأس عليه إذا هو وجه بهم إلينا، فانطلق من فوره، وما هي إلا ساعة حتى عاد إلينا بشيخ آخر، فبعد أن تبادلنا التحية المعتادة وما تقضي به الآداب أهديناه بعض الثياب الثمينة، فأظهر الاثنان سرورهما واغتباطهما، ولما شهدهما الأطفال والنساء الذين كانوا يتقاطرون إلى المكان زرافات وشتى وقد اكتسيا بهذه الثياب الفاخرة، أكثروا من مظاهر الفرح والسرور. وعلى أثر ذلك سألنا الشيخين عن سبب افتراقهما من قبيلتهما وسكناهما ضفاف النهر بعيدا عنها، ففهمنا من جوابهما على هذا السؤال أن مسكنهما المعتاد إنما هو هذا المكان، وأنهما يدفعان الضرائب والفرض لرجل يدعى الشيخ عبد الرحمن، وهو رجل ظالم غشوم يقتل البعض ويفرق بين العائلات كما فعل معهما، ثم سألا منا أن نزودهما بتوصية إلى حاكم كردفان يوسف بك، فاتفق سليمان كاشف معي على أن نكتب هذه التوصية باللغة العربية فكتبناها وأعطيناهما إياها لكي يحملاها إلى يوسف بك. ولكي يعربا عن شكرهما لنا بعثا إلينا بست بقرات وستة رءوس من المواشي الأخرى وشيئا كثيرا من الغنم والخيل فوزعناها على الجنود.
وفي الساعة السابعة استأنفنا المسير، فرأينا على ضفتي النهر بعض أشجار الميموزا والتمر هندي، وكانت على الضفة الغربية قبيلة من قبائل البقارة وحكومة كردفان، أما الضفة الشرقية فكانت تسكنها قبيلة الدنكا، وهاتان القبيلتان اعتادتا السكنى بضفتي النهر في فصل الصيف وبالانسحاب إلى داخل إقليم الضهرية أثناء الشتاء. والنهر تحف به في هذا المكان الأدغال الكثيفة، وقد ألقينا المراسي في نقطة منه متساوية البعد عن الضفتين.
الجمعة 29: قبل أن نتحرك للرحيل في الصباح قمنا بجملة مشاهدات وأرصاد على النهر، ودونا نتائجها في الجدول. وكان بضفتي النيل بعض أشجار الميموزا وغابات من أشجار أخرى، وكان النهر فيما عدا ذلك محفوف الجانبين بالأدغال. وشهدنا في الساعة العاشرة بالضفة الشرقية نخلة واحدة، ومررنا بالجزر المبينة في الجدول. وكانت مساكن الشلك تبتدئ من هذه النقطة بالضفة عينها، وكان رجال هذه القبيلة لا يقع نظرهم علينا من بعيد حتى يولوا الأدبار خائفين، وكنا نشهد من آن إلى آخر أسرابا كثيفة من الحيوانات أو جماعات من الناس. وفي الساعة العاشرة دنونا من الضفة الشرقية لنحتطب، فألقينا المراسي وسط النهر حيث قضينا الليل.
السبت 30: كان الزورقان الصغيران اللذان معنا وذهبية من ذهبيات السودان متخلفة وراءنا، ففي الصباح ربطناها بالذهبيات الأخرى وتحركنا للمسير. وفي الساعة الثالثة رأينا بالضفة الشرقية بعض النخيل. وفي الساعة السادسة لمحنا الجبل المعروف بجبل تفافان على مسافة ميلين من النهر، وهو محفوف بالنخل، أما الضفة الغربية فكان بها عشش الشلك وبعض الجزر المبينة بالجدول. وبمجرد أن وقع نظر الشلك علينا ولوا أكتافهم مدبرين، واختبئوا بالغابات والأدغال المجاورة تاركين بالمكان الذي فروا منه ما كان معهم من الطيور والمواشي، وإذ كان من الأغراض التي نرمي إليها تطمين خواطر هؤلاء الناس واجتذابهم إلينا، عولنا على ألا نمد أيدينا إلى شيء مما تركوه. وكنا في أحيان أخر نرى جماعات من الرجال والأطفال ولكننا كنا لا نجد معهم شيئا من مواشيهم، وقد اتضح لنا أنهم كانوا ينقلونها إلى أماكن يأمنون عليها فيها. وعلى الجملة، فإن هؤلاء الناس لم يدعوا فرصة للفرار من وجوهنا كلما وقع نظرهم علينا إلا واغتنموها. وكان من عادتهم أن يوقدوا النار على مسافات مختلفة لإشعار بعضهم البعض بالخطر الطارئ. وكانت ضفتا النهر تحتويان هما وبعض الجزر أشجارا قليلة من التمر هندي وغابات الأشجار المختلفة، أما فيما يلي ذلك فقد كانت الضفتان والجزر المذكورة بالجدول مغطاة بالأدغال. وقد ألقينا المراسي في وسط النهر لقضاء الليل به.
الأحد أول شوال سنة 1255: كان اليوم أول أيام عيد الفطر، فأطلقنا المدافع من جميع الذهبيات ورفعنا كل ما كان عندنا من الأعلام، وكانت الضفتان مغطاتين بالأدغال فلم تستطع الزوارق أن تدنو منهما فأدينا صلاة العيد في الذهبيات والقوارب وسط النهر، وبعد أداء هذه الفريضة استأنفنا السير في الطريق. وكان الشلك على الضفة الغربية قد هجروا مساكنهم من عهد قريب بدون أن يأخذوا معهم مواشيهم التي كانت مخبأة في الأدغال. وشهدنا على مسافة ميل واحد منا نحو أربعين قرية على صف واحد كان يسكنها أولئك الشلك الهاربون، وكانت هذه العشش مخروطية الشكل والنصف الأسفل منها مبنيا بالطين والأعلى بالقش. وكنا نرى من حين إلى آخر بعض الأشخاص ولكنهم لم تكن معهم مواشيهم. فلما وصلنا تجاه تلك القرى رأينا بقرب الساحل أربعة من الشلك، فخاطبهم ترجماننا هدهون مطمنا لخواطرهم وقائلا لهم أن ليس هناك ما يدعوهم إلى الخوف منا، وإننا لم يكن من قصدنا إلحاق الأذى بهم، ثم أرسل إليهم زورقا صغيرا فجاء إلى ذهبياتنا شيخهم المسمى رجب عبد الله وآخر يسمى جرهاب هييح ومعهما سنافيل هدية لنا، فعاملناهما بما يليق وأعطينا كلا منهما ثيابا وشالا وتحفا مصنوعة بالخرز والزجاج، وأعطينا ابن المرحوم الشيخ عبد الرحمن خلعة من الفرو وبعض التحف الزجاجية.
ولما كانت قبيلة الدماب بقرب هذا المكان، فقد كلفناهما بإرسال رسول من طرفهما إلى شيخها، فبمجرد ما خرج هذا الشيخ شهدنا الشلك يعودون إلى أكواخهم ومعهم نساؤهم وأولادهم ومواشيهم. وإذ كانا قد أخبرانا بأن مشائخ هذه القرى سيحضرون لمقابلتنا غدا، فقد تراجعنا إلى وسط النهر وألقينا مراسينا فيه قبيل الساعة الحادية عشرة، أي قبل غروب الشمس بساعة واحدة.
الاثنين 2 شوال: شهدنا عندما أسفر الصبح على ضفة النهر عشرة من مشائخ الشلك قد حضروا في ذهبيتنا التي أرسلناها إليهم لنقلهم جميعا، وقد اعترفوا بأن خمسة منهم هم أكابر مشائخهم، فأعطيناهم ثيابا وأجراسا وأشياء من الزجاج وأعطينا الخمسة الآخرين أشياء زجاجية فقط، وحينما رأينا أنهم قد سروا بهذه المقابلة أكدنا لهم بأن في استطاعتهم أن يكونوا في غاية الطمأنينة، وأننا مأمورون من صاحب السمو مولانا بحسن معاملة الذين لا يعترضوننا في سيرنا وبإتحافهم بالهدايا الثمينة، وأضفنا إلى ذلك طلبنا منهم أن يخبروا مكهم بما أبديناه لهم من التأكيدات. وبمجرد انصرافهم رأينا في الحال ألفين من الشلك مجردين من الثياب ومدججين بالأسلحة، وكان كل منهم يحمل دملجا من سن الفيل أو الحديد أو البرونز، وكان النساء والرجال منزوعة من فكهم الأسفل الأربع الأسنان الأمامية منها، وكان في أقدامهم دملج من الحديد، ويجعل الشلك بطرف رماحهم جملة من ريش النعام يحلونها بها. ومن العادات الشائعة عندهم أن ينام المرضى والعزاب في الرماد وفي روث الحيوانات فتتلوث وجوههم بهاتين المادتين، وهم يقيمون الصلاة أمام شجرة محاطة بالبوص ومعلق بها الشيء الكثير من الجلود والريش. وفي هذه القرى أبقار كثيرة وخيل وغنم ودجاج وفيها أيضا الكلاب، والزراعة الشائعة هناك الذرة والسمسم والتبغ والفاصوليا. وقد أرسلوا إلينا برسم العساكر إكراما لهم أربعة أثوار وستة رءوس من الغنم وسني فيل. وكان الشاطئ مغطى بأشجار الميموزا والأدغال وأشجار أخرى، فألقينا مراسينا وسط النهر لقضاء الليلة.
الثلاثاء 3 شوال: بالنظر لاشتداد ريح الشمال أمس واضطراب النهر دخل الماء في ذهبيتنا الثالثة وانكسر أعلى سارية الذهبية السابعة، ولما كان هبوب الريح لا يسمح بإصلاحه فقد لبثنا إلى التاسعة لإصلاحه. وقد أخذنا معنا في هذا المكان اثنين من الشلك ليرشدانا في الطريق، وفي أثناء مسيرنا شهدنا مساكن هؤلاء الشلك وكان عددها نحو الأربعين، ورأينا جملة من زوارقهم وبعض أشخاص منها. وإذ شعرنا في الساعة الحادية عشرة بالحاجة إلى الوقود، فقد دنونا من الساحل الشرقي وصعد بحري من بحارة الذهبية السادسة في شجرة لقطع الخشب منها فسقط وتوفي لساعته. والأشجار على الضفة الشرقية متفرقة هنا وهناك، أما الضفة الغربية فمغطاة بأكواخ الشلك تتخللها الأشجار. أما الجزر المبينة في الجدول فمغطاة هي والشواطئ بالأدغال المسماة بالحمصوف. وقد ألقينا المراسي وسط النهر لقضاء الليلة.
الأربعاء 4 شوال: في الساعة الرابعة من الصباح زايلنا المكان لاستئناف السير، وقد اختلفت الريح فاضطررنا إلى الوقوف ساعتين ثم استأنفنا بعدهما المسير، فقطعنا نحو ثمانية أميال في اتجاه الشرق دخلنا بعدها في خليج فصرنا بذلك تحت الريح، ولم نستطع الخروج من هذا المكان إلا في الساعة الحادية عشرة. وشهدنا في الجهة الغربية أحد عشر كوخا لجماعة من الشلك المناياق، وكان هناك جملة من شجر الدوم، وكانت ترى على الضفتين أشجار التمر هندي وأحيانا بعض أشجار الميموزا. وكانت قرية الشيخ تشاك ترى إلى الجانب الغربي وتجاهها ثلاثون قرية تتخللها أشجار التمر هندي وأشجار أخرى من أنواع مختلفة. وكانت ترى إلى جهة الغرب بعيدا عن الشواطئ مساكن الدنكا، وقد اعتادت هذه القبيلة سكنى السواحل أيام الصيف، أما الجانب الغربي فكان لا يرى فيه سوى أقوام من الشلك. وقد رسونا في هذا المكان لقضاء الليلة.
الخميس 5 شوال: تحركنا للرحيل في الصباح، فالتقينا على الضفة اليسرى بجملة من الشلك المسلحين، فسألهم هدهون الذي كان بإحدى الذهبيات عن المكان الذي هم منه آتون، فلما أجابوا بأنهم مقبلون من جهة شمك خطر لنا أنهم حضروا خصيصا إلينا، فأرسلنا على الفور زورقا ليقل شيخهم المدعو إدريس سليمان رجب وغيرهم من رفاقه، فلما وصلوا إلى ذهبيتنا وسألناهم عن الأخبار أجابوا بأنهم مبعوثون إلينا من طرف المك، وقد سألونا إلى أين نحن ذاهبون وما هو غرضنا من هذه الرحلة وإذا كان في نيتنا قتالهم لكي يخبروا في هذه الحالة مكهم بما عزمنا عليه أو إذا كنا نخترق هذه الأصقاع لمجرد الرحلة، فأجبناهم عندئذ بأننا عملا بإرادة صاحب السمو مولانا قد اعتزمنا استكشاف منبع النيل الأبيض، وأنه لم يكن في نيتنا الإضرار بأحد ما، وأنه ليس هناك ما يدعوهم إلى الخوف منا، ثم قلنا لهم بالحرف الواحد: «وإذا أحب مككم أن يحضر إلينا بحسن نية لمشاهدتنا، فإننا نكرمه ونحسن معاملته ونتحفه بالهدايا الثمينة، فانطلقوا إذن إليه لتوافوه بهذا الخبر.» وبعد ذلك أهدينا هؤلاء الرؤساء الثلاثة التحف والثياب الفاخرة، واكتسبنا مودتهم فغادرونا راضين عنا. وتحركنا نحن للمسير متجهين إلى ناحية الغرب، وكنا نرى حيث نسير قرى الشلك وأشجار التمر هندي وغيرها من الأشجار، كما كنا نرى من جهة الشرق بعض قرى الدنكا خالية من السكان، وكانت شواطئ النهر مرتفعة في بعض جهات منها. فألقينا مراسينا وسط النهر في هذا المكان لقضاء الليلة به.
Shafi da ba'a sani ba