الناس ما هو أكبر منها، نعم إن الميت في قبره لا ينتفع بسعة المكان كما لا يهمّه شيء من زخارف الحياة، وإنما أسفي كان من أنّ الشرقيّين وهم أعرف الناس بقدر هذا الفاتح المظفر لم يحفلوا به كما يحفل الغربيّون بعظماء
رجالهم مع أنّ الغربيّين أنفسهم قد قدروا قدر هذا الرجل وليس هناك أدلّ على ذلك من إهداء إمبراطور ألمانيا إلى قبره إكليلًا زهريًا يسر الإنسان أن يرى منه برهانًاَ على شعور جلالة الإمبراطور وأضرابه بقدر ما يحزنه أن لا يرى شيئًا مطلقًا من جانب الشرقيّين عمومًا والمسلمين خصوصًا على قبره.
الصالحية
هي إحدى القرى والأحياء الّتي تنقسم إليها مدينة دمشق، وقد كنّا عوّلنا على اِرتيادها في هذا اليوم. فبعد أن فرغنا من مشاهدة الأسواق واِنتهى أربنا من زيارة الأعيان وبعض الجوامع ومن كلّ ما كان يهمّنا أن نطّلع عليه بالقصد أو كان يصادفنا أيضًا على غير نيّة وحساب عندما كنّا نسير في الشوارع والطرقات، توجّهنا تحوطنا رعاية الله إلى الصالحية وكان الوقت عصرًا فسرنا في طريق كان من أجمل الطرق وأحسن المنتزهات في تلك البقاع حيث لا يلتفت فيه الإنسان عن ذات يمينه أو عن ذات يساره حتّى يرى الأرض من الجانبين خضراء زاهية بالبساتين والمزارع الّتي يميل إليها الطبع ويفرح منها القلب، ولا يزال المسافر في ذلك الطريق يمرّ بين مناظر طبيعية تختلف في الحسن وتتفاوت في الجمال وينتقل من منظر شهي إلى أشهى ومن شكل بهيّ إلى أبهى، ولا يودّع فيه نهر الطرة حتّى يستقبل بعده نهر البريد وهكذا إلى أن يصير في الصالحية. وهي قائمة على هضبة جهة الغرب من المدينة، وعدد سكّانها يبلغ نحو عشرة آلاف نسمة، ويمرّ منها نهر البريد وفيها من الأشياء المشهورة جامع الصوفي الشهير محيي الدين ابن العربي، وقبر عبد القادر الجزائري.
1 / 79