هذه المحطّة فرع آخر من خطوط السكّة الحديدية يوصل إلى بعلبك وحمص وحماة وحلب. ولما أن انتهينا من تناول الغذاء في ذلك المكان،
شكرنا المندوب الّذي كان يرافقنا في هذا السفر من قبل الحكومة، حيث كان هذا الموضع هو آخر مشواره معنا. ونزلنا في القطار الّذي ما برح يتابع السير بنا في طريق دمشق، وهو يطوي الأرض بأقدامه الحديدية طيًّا، حتّى رسا عند وادي يعفوف وهو وادٍ خصب جميل مغروس بالنباتات والحدائق في كلّ جهاته، وعند هذه المحطّة يأخذ القطار في الصعود إلى الجبل الشرقي. وقد مررنا من هذا الطريق على قنطرة تعرف بجسر الرمّانة، وهي قنطرة عالية ترتفع عن سطح البحر بنحو ١٣٢٠ مترًا حتّى يصل القطار إلى محطّة سرغاية الّتي كانت تعلو عن منسوب البحر بمقدار ١٤٠٠ متر. وهنا لا يستطيع المسافر أن يعبّر عمّا كان يتداخله من الارتياح ويستخفّه من الطرب، عندما يشرف من تلك الجهة على البقاع وجبال لبنان فيرى منظر الطبيعة فوق ما يوصف جمالًا ويعرف حسنًا ورواء. وأيّ نفس لم تعد بعد الخمول نابهة وبعد الذبول ناضرة، وهي تتقلّب مرّات كثيرة على أبهج المناظر وألطف الأشكال. ثمّ هي لا تلبث أن تستقر في جهة تظن أن عندها منتهى الحسن وإليها قد اِستتمت ضروب الجمال والظرف، حتّى تفاجئها جهة أخرى فتأخذها منها روعة جديدة وهزّة شديدة، وترى أنّه كان قليلا في غيرها ما استكثر وصغيرًا في نظرها ما استعظم واستكبر. ومن تلك المحطّة سافرنا على محطّة الزبداني، وهي مركز قضاء تابع لحكومة لبنان وعدد سكانها يقدّر بنحو ٦٥٠٠ نسمة، نصفهم من المسيحيّين والنصف الآخر من طوائف شتّى. ومركز هذه البلدة الطبيعي غاية في البهاء والحسن، إذ تحيط بها المزارع اليانعة والحدائق الواسعة من جميع جهاتها إحاطة الأكمام بالثمر والهالة بالقمر. وممّا قد اِمتازت به عن غيرها من البلاد، زيادة عن طيب مناخها، أنّ جميع الفواكه المشهورة توجد فيها. وأشهر ما فيها من أنواع تلك الفاكهة العنب والتفّاح حتّى قيل إن التفاح الزبداني لا يماثله أي تفاح كان في بلاد الدنيا. وفي
ذلك الوادي، الزبداني، يمرّ نهر بردى، ذلك النّهر الجميل المشهور في هذه الجهات بجمال موقعه وصفاء مائه وبرودته وعذوبته. وبعد اِجتياز النهر المذكور والمرور من محطّة التكيّة، يخترق الخط الحديدي نفقًا صغيرًا فيصل إلى سوق وادي بردى. والمسافة من مدينة بيروت حتّى هذا الوادي تبلغ نحو
1 / 60