غير ذلك من المطالب الكثيرة. فمثل العلم كمثل الشجرة العظيمة إذ يقصد إليها جماعة من الناس، وكلّ له منها مقصد معين. فواحد يريد ظلّها، وآخر يبتغي أغصانها، وآخر يطلب ثمرها. ولقد يصدق على الجميع أنّهم يطلبون الشجرة، ولكن شتان ما بين طالب الظلّ منها وبين طالب الثمرة. فأنا أنصح لكم، معشر التلاميذ النجباء، أن تصرفوا كلّ همّتكم الآن في تحصيل المعارف والعلوم الّتي حبستم عليها شبابكم، والّتي من أجلها هجرتم أوطانكم وتركتم أهلكم وإخوانكم، وأن لا يبرح عن فكركم أبدًا أنّ لأمّتكم عليكم حقوقًا يجب أن تجعلوها دائمًا نصب أعينكم، وأن تجتهدوا ما اِستطعتم لأدائها عندما تطلب منكم، وأن لا تجعلوا لزخارف الدنيا وأعراضها سلطانًا على أنفسكم فتملككم وتغلبكم على أمركم، وأن تشتغلوا بالعلم قصدًا إليه نفسه وحبًّا له ذاته، لا لأن يكون وسيلة إلى غاية منحطّة ولا مقدّمة إلى نتيجة فاسدة، فإنّكم أفطن من أن ألفتكم إلى أنّ العلم ليس مفيدًا حيثما كان، بل قد يكون مضرًّا في بعض الأحيان، وكثيرًا ما يتجاوز ضرره صاحبه على غيره. وأنتم أيضًا فوق أن تنبهوا إلى ما كان من علماء الغرب الّذين ظهرت فوائد علمهم الغزيرة وثمراته الكثيرة في الاقتراحات العديدة، والاختراعات المفيدة الّتي نحن الآن متمتّعون بها في كثير من أمور حياتنا الفردية والاجتماعية، ممّا جعل هؤلاء العلماء تفتخر بهم بلادهم وتشتهر بأسمائهم جهاتهم حتّى استحقّوا أن يحمدوا ويشكروا من كلّ من عرف قيمة الحياة وأدرك سرّ الاستعمار. ثمّ قلت لهم إنّه يسوؤني كثيرًا أن أرى أناسًا يضيعون زهرة شبابهم في التعليم على قصد أن يكونوا يومًا ما مستخدمين في الحكومة، أو من أهل الثروة واليسار في البلاد،
أو ممّن يطمعون في الامتيازات العرضية كالرتب والنياشين والألقاب. نعم يسوؤني ذلك لأنّي أجد القسم الأوّل لم يستعمل فكره ومواهبه إلا فيما تقتضيه منه شؤون الحكومة، فتتضاءل مداركه وتتعطّل مواهبه ثمّ لا يلبث أن تنحصر معلوماته الواسعة في دائرة أضيق من صدر الأحمق. وأمّا القسم الثاني والثالث فقد أرادوا غاية دون ما كان ينبغي أن يطلب بالعلم ويذهب إليه من طريقه، إذ أن الرتبة مثلًا إذا لم تكن عنوان ما في نفس صاحبها وشعارًا للتربية النافعة والتعليم الصحيح، فلا قيمة لها حتّى ولا بين قومه وعشيرته. أمّا الّذي يضمن للمرء عزّه في كلّ مكان ويستوجب اِحترامه من كلّ
1 / 38