Tafiya A Cikin Tunanin Zaki Najib Mahmud
رحلة في فكر زكي نجيب محمود
Nau'ikan
ها هنا تبدأ الحرية بمعناها الإيجابي الذي لا بد فيه من «قدرة» الإنسان على أداء عمل، ولا قدرة في أي ميدان إلا لمن عرف حقيقة ذلك الميدان وما يتعلق به، إننا نريد «حرية الذين يعلمون».
4
وهكذا ربط مفكرنا ربطا وثيقا بين الحرية بمعناها الإيجابي، وقدرة الإنسان على أداء عمل معين «يعرف» كيف يقوم به؛ فالجانب الإيجابي من الحرية والمعرفة وجهان لعملة واحدة، أن الطفل الذي يظفر بقلم وورقة بعد بكاء عنيد، «حر» في أن يخط بالقلم ما يشاء، والفنان «حر» في إقامة بنائه اللوني على اللوحة، لكن ما أبعد الفرق بين حرية وحرية! لقد أزيلت الموانع التي كانت تحول دون حصول الطفل على ورقة وقلم، فلما بلغ مراده كان حرا، وانطلقت تلك الحرية المجنونة «تشخبط» الخطوط على الورق بلا هدف ، وأما الفنان العارف بأسرار فنه، فقد استطاع بحريته «المقيدة» بقواعد الفن وأصوله، أن يبدع ما قد يضاف إلى كنوز الجمال، وإذن فالتحرر هو الجانب السلبي من الحرية، أما الجانب الإيجابي فهو يرتبط بالعلم والمعرفة؛ ومن هنا كان حق الحرية بمعناها الإيجابي المنتج، مقصورا على أولئك الذين يعلمون!
أما الفكرة الثانية، «فكرة العقل»، فقد وقف مفكرنا عندها طويلا، لما لها من أهمية في بناء حياتنا الثقافية: «فإذا كانت الحرية في جانبها السلبي تعني «التحرر» من القيود، فإنها في جانبها الإيجابي تعني البناء، وذلك يحتاج إلى خطة مرسومة يهتدي بها من تحرر من القيود، وهذه الخطة الهادفة هي التي يرسمها «العقل».»
5
فما هو هذا العقل؟ مهما اختلفت تعريفات الناس للفظة «عقل»، فإنهم في عصرنا الراهن على الأقل متفقون على أبعاد معنى، لا يجوز أبدا أن ينصرف إليه مفكر واحد، وهو المعنى الذي يتصور أن ثمة في عالم الكائنات كائنا مستقلا بذاته قائما برأسه اسمه «عقل»، كما يشير اسم «هملايا» «مثلا» إلى جبل معلوم. بل إن العقل اسم يطلق على فعل من نمط ذي خصائص يمكن تحديدها وتمييزها، والفعل ضرب من النشاط يعالج به الإنسان الأشياء على وجه معين.
6
وإذا كان العقل فعلا فإننا نستطيع تحديده على النحو التالي: «العقل حركة انتقالية تبدأ سيرا من شواهد وبينات ومقدمات، وينتهي عند نتيجة تتولد مما بدأ منه. فليس عقلا ذلك الذي يدرك ما يدركه بلمحة مباشرة أو بلمعة (كما يقولون)؛ لأن أمثال هذه الإدراكات المباشرة لها أسماء أخرى، وطبائع أخرى. أما العقل فإدراكه غير مباشر لأنه قدرة استدلالية، ومعنى ذلك أنه يتضمن قيام طرفين: طرف نبدأ منه، طرف آخر هو النتيجة التي تنتهي إلينا ...»
7
والعقل حر في اختيار الطرف الأول الذي يبدأ منه، ولكنه إذا ما حدد لنفسه نقطة البدء لم تعد له بعد ذلك حرية النتائج؛ لأن هذه النتائج تلزم بالضرورة عن نقطة الابتداء.
Shafi da ba'a sani ba