وبالجملة: إذا فعل شيئًا مما ذكرنا أنه يحرُم فعلُه في الفصل المتقدم عامدًا عالمًا بالتحريم لغير عذر، لزمته الفدية، وأثم باتفاق الأئمة الأربعة، ولا يأثم الناسي والجاهل والمعذور باتفاقهم، ولا تجب الفدية على الناسي والجاهل بغير ذلك مما ذكرنا عند الشافعية والحنابلة، وعند الحنفية والمالكية أنها كالعامد، ولا فرق عند الشافعية والمالكية والحنابلة في الفدية الواجبة بين من فعل لغير ضرورة، أو لضرورة؛ خلافًا للحنفية.
والفدية إما بصيام ثلاثة أيام، وإما بنسك شاة، وإما بإطعام ستة مساكين، لكل مسكين نصفُ صاع من تمر أو شعير، أو مُدٌّ من طعام، وإن أطعمه خبزًا، جاز، ويكون رطلين بالعراقي قريبًا من نصف رطل بالدمشقي، وينبغي أن يكون مأدومًا، وإن أطعم مما يأكل؛ كالبقسماط والرقاق ونحو ذلك، وهو أفضل مما يعطيه قمحًا أو شعيرًا، وكذلك في سائر الكفارات إذا أعطاها مما يقتات مع أدمه، فهو أفضل من أن يعطيه حبًا مجردًا إذا لم يكن عادتهم أن يطحنوا بأيديهم ويخبزوا بأيديهم.
والواجب في ذلك ما ذكره الله تعالى بقوله: ﴿إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ﴾ [المائدة: ٨٩] فأمر بإطعامهم من أوسط ما يطعم الناس أهليهم، وقد تنازع العلماء في ذلك، هل هذا مقدر بالشرع، أو يرجع فيه إلى العرف؟ وكذلك تنازعوا في نفقة الزوجة، والراجح أن يرجع فيه إلى العرف، فيطعم كل قوم مما يطعمون أهلهم، ولما كان كعب بن عجرة ونحوه يقتاتون التمر، أمره النبي ﷺ أن يطعم فرقًا من تمر بين ستة مساكين، والفرق ستة عشر رطلًا بالبغدادي، وهذه الفدية يخرجها إذا احتاج إلى الفعل المحظور قبله أو بعده، ويذبح النسك قبل أن يصل إلى مكة، ويصوم الأيام الثلاثة إن شاء متتابعة، وإن شاء متفرقة، فإن كان له عذر، أخر فعلها، وإذا لبس ثم لبس مرات، ولم يكن أدى الفدية، أجزأته فدية واحدة في أظهر أقوال العلماء.
وعند الشافعية: الفدية الواجبة على التخيير، إن شاء شاة، أو سُبْع بَدَنة، أو سُبْع بقرة، صفتُها صفةُ الأضحية، يُريق دمها بالحرم، ويفرق لحمها على
1 / 68