تعالى يقول: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا﴾ [آل عمران: ٩٧] رواه الترمذي والبيهقي من رواية الحارث بن علي، وكلام الناس في الحارث مشهور، كذَّبه الشعبي، وابن المديني، وقال أيوب: كان ابن سيرين يرى أن عامة ما يروي عن عليٍّ باطل، واختلف فيه رأيُ ابن معين، والنسائي، وابن حبان، فضعفوه تارة، ووثقوه أخرى، وميل النسائي إلى توثيقه، والاحتجاج به، وتقوية أمره، وقال الترمذي: حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، انتهى.
والحاصل: أن الحديث ضعيف كما قاله النووي في "شرح المهذب"، نعم صح ذلك عن عمر -رضي الله تعالى عنه-، ومن ثم قال: لقد هممت أن أبعث رجالًا إلى هذه الأمصار، فينظروا كلَّ من كان له جِدَةٌ ولم يَحُجّ، فيضربوا عليهم الجزيةَ، ما هم بمسلمين، رواه سعيد بن منصور في "سنته"، والبيهقي، ومثل ذلك الحديث لا يقال من قبل الرأي، فيكون في حكم المرفوع، وقد رواه البيهقي أيضًا عن عبد الله بن سابط، عن أبي أمامة، عن النبي ﷺ، قال: "من لم تحبسه حاجة ظاهرة، أو مرض حابس، أو سلطان جائر، ولم يحج، فليمتْ إن شاء يهوديًا، وإن شاء نصرانيًا". وعن أبي سعيد الخدري: أن رسول الله ﷺ قال: "يقول الله ﷿: إن عبدًا أصححتُ له جسمَه، ووسَّعْتُ عليه في المعيشة، تمضي عليه خمسةُ أعوام لا يغدو عليَّ لَمحرومٌ" رواه ابن حبان في "صححيه"، والبيهقي، وقال: قال علي بن المنذر: أخبرني بعض أصحابنا: كان حسن بن حَيٍّ يعجبه هذا الحديث، وبه يأخذ، ويحب للرجل الموسر الصحيح ألا يترك الحج خمس سنين.
وفي الباب أحاديث تدل على أن الحج واجبٌ على الفور، وإليه ذهب أبو حنيفة، وأحمد وبعض أصحاب الشافعي، وهو رواية العراقيين عن مالك. وقال الشافعي، والأوزاعي، وأبو يوسف، ومحمد، وهو مذهب مالك عند القاضي عياض وأتباعه من المغاربة: إنه على التراخي، إلا أن ينتهي إلى حال يظن فواته لو أخره عنها. وعن سعيد بن جبير وإبراهيم النخعي ومجاهد وطاوس: لو علمت رجلًا غنيًا وجبَ عليه الحج، ثم مات قبل أن يحجَّ،
1 / 43