المترصدين في الطرق، الجالسين في الحديدة، وجدة، ونحوها، انتهى؛ فإن تسليم المال إليهم إعانةٌ على الظلم، فليتلطف في حيلة الخلاص، فإن لم يقدر، فقد قال بعض العلماء: ولا بأس بما قاله: إن ترك التنفل بالحج والرجوع عن الطريق أفضلُ من إعانة الظَّلَمَة؛ فإن هذه بدعة أحدثت، وفي الانقياد لها ما يجعلها سنة مطَّردة، وفيه ذلٌّ وصَغار على المسلمين ببذل جزية، انتهى.
ومنها:
١٩ - إذا خرج ينبغي أن يستعمل مكارم الأخلاق مع رُفقته، ويحسن عشرته معهم، ويُلين جانبه لهم، ويعمل معهم ما يعملونه، ويبذل لهم الموجودَ من غير مضرة، لا سيما بذل الماء لذوي العطش، خصوصًا في طريق المدينة المنورة، ويروى أنه ﷺ سئل عن أثر الحج، فقال: "إطعامُ الطعام، ولينُ الكلام"، ويكفُّ لسانه إلا عن الخير، وجوارحَه إلا عن المعروف، وإعانة الملهوف، ويحتمل للجافي جفاه، وللموذي أذاه؛ فقد ورد أنها ما تجهزت رفقةٌ للحج، إلا جهز إبليسُ معها رفقةً من أجناده، تأزُّهم إلى الشر، وتبعدهم عن الخير، فالسعيد مَنْ عصمَه الله عن ذلك. وينبغي ألا يكون كثير الاعتراض على رفيقه وجِماله وخادمِه وغيرِهم من أصحابه، بل يخفض جناحه، ويُلين جانبه للسائرين إلى بيت الله؛ إذ ليس حسن الخلق كفَّ الأذى، بل احتمال الأذى، وقيل: سمي السفر: سفرًا؛ لأنه يُسْفِر عن أخلاق الرجال.
ومنها:
٢٠ - أن يترك الرفثَ والفسوقَ والجدال، كما نطق به القرآن الكريم، والرفث: اسمٌ جامع لكل لغوٍ وخَنَا وفحشٍ من الكلام، ويدخل فيه مغازلةُ النساء ومداعبتهن، والتحدثُ بشأن الجماع ومقدماته؛ فإن ذلك يهيج داعيةَ الجِماع، والداعي إلى المحظور محظورٌ، وليس في المحظورات ما يفسد الحج إلا جنسُ الرفث، فلهذا مُيز بينه وبين الفسوق وسائر المحظورات؛ كاللباس والطيب؛ فإنه وإن كان يأثم بها، فلا يفسد الحج عند أحد من الأئمة المشهورين، والفسوق: اسم جامع لكل خروج عن طاعة الله ﷿، ويتناول كلَّ ما حرمه الله، ولا يختص بالسباب، وإن كان سباب المسلم فسوق، فالفسوق يعمُّ هذا وغيرَه، والجدال: هو المبالغة في الخصومة، والمماراة بما يورث الضغائن، ويفرق في
1 / 39