التوراية والخبائث. وقد بحثت اليهود في مسألة أخرى ، قلت لهم هذا الأمر الذي أنتم مأمورون به في كتابكم : إن الرجل إذا جامع زوجته وجب عليه وعليها الغسل لجميع الجسد بماء طاهر ، هل تمنعون ذلك أم لا؟ قالوا جميعا : لا نفعل ذلك ، ولكن النساء تغتسلن من الحيضة ، وأنتم مأمورون بها في كتابكم؟ قالوا : ذلك الأمر كان حين كنا في بيت المقدس ، قلت لهم : الأمر ليس هو مرتبطا بشرط ، لأنه ما قال هذا الأمر للغسل فرض عليكم ما دمتم ببيت المقدس ، ولم قال ذلك كانت لكم حجة مقبولة بما تقولون. هذا برهان بأنهم جميع اليهود بنجاسة موروثة من آبائم وأجدادهم ، وعلمائهم ملعونين بإباحتهم في ترك فرض من فرائضهم. وأما الغرض لهم في ترك الأسباب يوم السبت حيث هو أمر موافق لشهوة النفس لأنها تحب الراحة ، فهذا يقومون بحقه ، ويظهرون من الورع جميعهم بالقيام بحقوق السبت ، ويذكرون أنهم لا يجوز لهم فيه كذا وكذا ، ويتركون الطهارة التي هي الأصل في العبادات. وكذلك النصارى لا يقربون الماء أبدا إلا مرة في العمر ، وهو الغسل عند دخولهم في دين النصارى المسمى بالماء المعمدان. وكم من مسلم في الدنيا من يجب عليه الغسل يقوم من فراشه عند السحر في أيام البرد ولا يجد سبيلا لتسخين الماء ويغتسل به باردا لئلا تفوته صلاة الصبح ، والمواضبون على الصلاة في أوقاتها ، فلا ينامون إلا بعد أداء صلاة العشاء الأخيرة ، ويتركون مضاجعهم عند صلاة الفجر. وقال الله تبارك وتعالى ( «تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا ومما رزقناهم ينفقون فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون ) (102)، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف ليلة ، ومن صلى الصبح في جماعة فكأنما قام نصف ليلة ، ومن صلى الصبح في جماعة فكأنه صلى الليل كله» (103)، فببركتهم لم يزل العز للإسلام في الدنيا وببركة محمد صلى الله عليه وسلم الذي قال :
Shafi 91