وقد روي أن السبب كان يدعو الشيخ جمال الدين الساوي إلى حلق لحيته وحاجبيه أنه كان جميل الصورة حسن الوجه فعلقت به امرأة من أهل ساوة وكانت تراسله وتعارضه في الطرق وتدعوه لنفسها وهو يمتنع ويتهاون فلما أعياها أمره دست له عجوزا تصدت له إزاء دار على طريقه إلى المسجد وبيدها كتاب مختوم فلما مر بها قالت له يا سيدي أتحسن القراءة؟ قال نعم قالت له الكتاب وجهه إليّ ولدي وأحب أن تقرأه علي فقال لها نعم فلما فتح الكتاب قالت له يا سيدي أن لولدي زوجة وهي بأسطوان الدار فلو تفضلت بقراءته بين بابي الدار بحيث تسمعها فأجابها لذلك فلما توسط بين البابين غلقت العجوز الباب وأخرجت المرأة جواريها فتعلقن به وأدخلنه إلى الدار وراودته المرأة عن نفسه فلما رأى أن لا خلاص له قال لها إني حيث تريدين فأريني بيت الخلاء فأرته إياه فأدخل معه الماء وكانت عنده موسى جديدة فحلق لحيته وحاجبيه وخرج عليها فاستقبحت هيئته واستنكرت فعله وأمرت بإخراجه وعصمه الله بذلك فبقي على هيئته فيما بعد وصار كل من يسلك طريقته أن يحلق رأسه ولحيته وحاجبيه.
وذكر أنه لما قصد مدينة دمياط لزم مقبرتها وكان بها قاض يعرف بابن العميد فخرج يوما إلى جنازة بعض الأعيان فرأى الشيخ جمال الدين بالمقبرة فقال له أنت الشيخ المبتدع فقال له وأنت القاضي الجاهل تمر بدابتك بين القبور وتعلم أن حرمة الإنسان ميتا كحرمته حيا فقال له القاضي وأعظم من ذلك حلقك للحيتك فقال له إياي تعني وزعق الشيخ ثم رفع رأسه فإذا هو ذو لحية سوداء عظيمة فعجب القاضي ومن معه ونزل إليه عن بغلته ثم زعق ثانيا فإذا هو ذو لحية بيضاء حسنة ثم زعق ثالثًا ورفع رأسه فإذا هو بلا لحية كهيئة الأولى فقبل القاضي يده وتتلمذ له وبنى له زاوية حسنة وصحبه أيام حياته حتى مات الشيخ فدفن بزاويته ولما حضرت القاضي وفاته أوصى أن يدفن بباب الزاوية حتى يكون كل داخل إلى زيارة الشيخ يطأ قبره وبخارج دمياط المزار المعروف بشطا، "بفتح الشين المعجمة والطاء المهملة"، وهو ظاهر البركة يقصده أهل الديار المصرية وله أيام في السنة معلومة لذلك.
1 / 23