الطور المعظم يسارا لكن للافرنج بمقربة منها حصن مندوب١ يمنع الناس من سلوكه والله ينصر دينه ويعز كلمته بمنه.
فتمادى سيرنا في البحر يوم الثلاثاء السادس والعشرين لربيع الأول المذكور ويوم الأربعاء بعده بريح فاترة المهب فلما كان العشاء الآخرة من ليلة الخمس ونحن قد استبشرنا برؤية الطير المحلقة من بن الحجاز لمع برق من جهة البر المذكور وهي جهة الشرق ثم نشأ نوء اظلم له الافق إلى أن كسا الافاق كلها وهبت ريح شديدة صرفت المركب عن طريقه راجعا وراءه وتمادى عصوف الرياح واشتدت حلكة الظلمة وعمت الافاق فلم ندر الجهة المقصودة منها إلى أن ظهر بعض النجوم فاستدل بها بعض الاستدلال وحط القلع إلى أسفل الدقل وهو الصاري.
وأقمنا ليلتنا تلك في هول يؤذن بالياس وأرانا بحر فرعون٢ بعض أهواله الموصوفة إلى أن اتى الله بالفرج مقترنا مع الصباح قيادالريح وأقشع الغيم واصحت السماء ولاح لنا بر الحجار على بعد لا نبصر منه إلا بعض جباله وهي شرقا من جدة زعم ربان المركب وهو الرائس أن بين تلك الجبال التي لاحت لنا وبر جدة يومين والله يسهل لنا كل صعب وييسر لنا كل عسير بعزته وكرمه.
فجرينا يومنا ذلك وهو يم الخميس المذكور بريح رخاء طيبة ثم أرسيا عشية في جزيرة صغيرة في البحر على مقربة من البر المذكور بعدان لقينا شعابا كثيرة يكسر فيها الماء ويضحل٣ علينا فتخللنا اثناءها على حذر وتحفظ وكان الربان بصيرا بصنعته حاذقا فيها فخلصنا الله منها حتى أرسينا بالجزيرة المذكورة ونزلنا إليها وبتنا بها ليلة الجمعة التاسع والعشرين لربيع
_________
١ المندوب، لعله من ندبه إلى الحرب: وجهه إليها.
٢ بحر فرعون: البحر الأحمر.
٣ يضحل: يرق.
1 / 50