مقامهم عنده ثم انصرفوا وانصرف إلى موضع سكناه وتركنا المركب المذكور في موضع ارسائه بسبب مغيب بعض أصحابه في البلد عند هبوب الريح الموافقة لنا.
في ليلة الثلاثاء الثامن عشر لذي القعدة المذكور والخامس عشر من شهر مارس المذكور أيضا وفي الربع الباقي منها فارقنا بر سردانية المذكورة وهو بر طويل جرينا بحذائه نحو المائتي ميل ومنتهى دور الجزيرة على ما ذكر لنا إلى أزيد من خمسمائة ميل ويسر الله علينا في التخلص من بحرها لأنه أصعب ما في الطريق والخروج منه يتعذر في أكثر الأحيان والحمد لله على ذلك.
وفي ليلة الأربعاء بعدها من أولها عصفت علينا ريح هال١ لها البحر وجاء معها مطر ترسله الرياح بقوة كأنه شآبيب٢ سهام فعظم الخطب واشتد الكرب وجاءنا الموج من كل مكان امثال الجبال السائرة فبقينا على تلك الحال الليل كله ولايأس قد بلغ منا مبلغه وارتجينا مع الصباح فرجة تخفف عنا بعض ما نزل بنا، فجاء النهار وهو يوم الأربعاء التاسع عشر من ذي القعدة بما هو اشد هولا وأعظم كربا وزاد البحر اهتياجا واربدت٣ الآفاق سوادا واستشرت٤ الريح والمطر عصوفا حتى لم يثبت معها شراع فلجيء إلى استعمال الشرع الصغار فأخذ ت الريح أحد ها ومزقته وكسرت الخشبة التي ترتبط الشرع فيها وهي المعروفة عندهم بالقرية فحينئذ تمكن اليأس من النفوس وارتفعت أيدي المسلمين بالدعاء إلى الله ﷿ وأقمنا على تلك الحال النهار كله فلما جن الليل فترت الحال بعض فتور وسرنا في هذه الحالة كلها بريح الصواري سيرا سريعا.
_________
١ هال: ثار
٢ الشآبيب، الواحد شؤبوب: وهو الدفعة من المطر.
٣ اربدت: تغير لونها.
٤ استشرت: عظمت وتفاقم شرها.
1 / 10