Rayuwar Richard Feynman a Kimiyya
ريتشارد فاينمان: حياته في العلم
Nau'ikan
وعندما ناقش فاينمان وجيلمان سؤال بلوك أثناء الاجتماع، أدركا أنهما لا يمكنهما التوصل إلى سبب عملي مقنع لاستحالة خرق اتساق التناظر في حالات انحلال الكاونات الضعيفة. وإذا كان التفاعل الضعيف يخرق التناظر، فأين المواضع الأخرى التي قد يظهر فيها في فيزياء الجسيمات؟ إن التفاعل الضعيف نفسه لم يكن مفهوما على نحو جيد. وكما ذكرت من قبل، فإن فيرمي كان قد وضع من قبل نموذجا مبسطا للانحلال الضعيف في صورته الأولية، وهو انحلال النيوترون إلى بروتون، ويسمى «انحلال بيتا»، لكن لم تكن ظهرت بعد صورة موحدة لحالات الانحلال الضعيف المختلفة المعروفة.
وحتى أثناء احتدام النقاش بين عملاقي الفيزياء النظرية فاينمان وجيلمان حول ذلك الاحتمال الغريب، وانشغال فيزيائيين آخرين من الحاضرين بالمؤتمر بالمسألة إلى حد عقد المراهنات، أبدى الفيزيائيان الأحدث سنا، لي ويانج - وكلاهما زميل سابق لجيلمان في شيكاجو - شجاعة وتهورا فكريا جعلاهما يعودان إلى سكنهما ويفحصان بجدية جميع البيانات التي توافرت حينئذ ليريا هل يمكن استبعاد خرق التناظر في التفاعل الضعيف أم لا. واكتشفا أنه لا توجد تجارب يمكنها الإجابة عن ذلك السؤال بصورة قاطعة. والأهم من ذلك أنهما اقترحا إجراء تجربة تتضمن انحلال بيتا ذاته. فلو كان التناظر يخرق، وكانت النيوترونات تستقطب بحيث تدور دورانا مغزليا في اتجاه معين، فإن خرق التناظر حينئذ سوف يكون معناه ضمنا أن الإلكترونات ، وهي أحد نواتج ذلك الانحلال، سوف تكون أقرب لأن تنتج في أحد نصفي الكرة مقارنة بالآخر. وكتب العالمان بحثا جميلا حول فرضيتهما تلك نشر في يونيو 1956.
بدا هذا الاحتمال أقرب إلى الجنون، غير أنه كان جديرا بالتجربة. وأقنع الاثنان زميلتهما بجامعة كولومبيا، شيين-شيونج وو، وهي خبيرة في مجال انحلال بيتا، بالعودة وقطع عطلتها التي كانت تقضيها في أوروبا بصحبة زوجها لتجري تجربة حول انحلال النيوترونات في نظير الكوبالت 60. كانت تلك الحقبة مختلفة عن أيامنا هذه، حيث قد تمتد الفترة الزمنية التي تمضي بين المقترحات النظرية في فيزياء الجسيمات وبين التحقق منها بالتجارب العملية في عصرنا هذا إلى عقود. وفي خلال ستة أشهر فحسب، كانت وو قد حصلت على دليل تجريبي، ليس فقط على أن الإلكترونات كانت تخرج من جهازها على نحو غير متناظر، وإنما أيضا على أن عدم التناظر بدا تقريبا بأكبر حجم ممكن فيزيائيا.
كان هذا كفيلا بإقناع فيزيائي تجريبي آخر من جامعة كولومبيا هو ليون ليدرمان - الذي فاز بعد ذلك بجائزة نوبل، والذي كان لي يحاول إقناعه بإجراء تجربة مماثلة على انحلال البايونات - بإجراء التجربة. ومرة أخرى، بسرعة يتعذر فهمها للفيزيائيين الذين نشئوا بعد جيل من ذلك الوقت، أعاد ليدرمان وزميله ريتشارد جاروين تهيئة جهازهما في أحد أيام الجمعة، بعد غداء عمل عقد لهيئة التدريس لمناقشة هذا الاحتمال، وبحلول يوم الاثنين كانا قد حصلا على النتيجة، بعد يوم واحد من إتمام شيين-شيونج وو لتجربتها. كان التماثل يتعرض للخرق بالفعل لأقصى حد ممكن. لم يكن الرب - إذا شئنا استعارة التعبير المستخدم في لعبة البيسبول الذي استخدمه عالم الفيزياء النظرية المتشكك فولفجانج باولي - «لاعبا أعسر ضعيفا»، وإنما كان قويا!
أحدثت تلك النتيجة ضجة. فحقيقة أن هذا التناظر بالغ التقديس الذي يتصف به العالم من حولنا يخرق ولا يكترث به عند مستوى أساسي من قبل واحدة من قوى الطبيعة الأربعة المعروفة، صنعت موجات دهشة عارمة اجتاحت عالم الفيزياء، ووصلت أصداؤها إلى جميع وسائل الإعلام. (من الواضح أن لي ويانج عقدا واحدا من أوائل المؤتمرات الصحفية المعاصرة في علم الفيزياء في جامعة كولومبيا للإعلان عن التأكيد التجريبي لصحة اقتراحهما.) وفي واحد من أسرع تطورات الأحداث في تاريخ الفيزياء، تقاسم لي ويانج جائزة نوبل عام 1957 عن اقتراحهما، الذي تقدما به منذ عام واحد فقط. •••
لماذا لم يتابع فاينمان البحث عن إجابة للسؤال الذي طرحه في اجتماع روتشيستر؟ مرة أخرى وجد فاينمان نفسه قريبا من حل مسألة مهمة في علم الفيزياء، لكنه لم يهتم بمتابعة الأمر حتى الوصول إلى نتيجة. وربما كان هذا التوجه يعكس سمة في شخصيته ظلت ملازمة له: فهو لم يرغب قط في السير على خطى فيزيائيين آخرين. فإذا رأى أن مجتمع الفيزياء كله يركز على مشكلة ما، فإنه يبتعد عنها ويتجنبها ويبقي على ذهنه متفتحا حتى يتمكن من معالجة الألغاز بالطريقة التي يحبها؛ من البداية حتى النهاية. وعلاوة على ذلك، كان يكره قراءة أدبيات الفيزياء، وهو أمر كان ضروريا لتحقيق الإنجاز الذي حققه لي ويانج.
غير أنه ربما كان السبب أيضا أن فاينمان كان لديه صيد أثمن يطارده، أو هكذا كان يظن. فإدراك أن التفاعلات الضعيفة تخرق التناظر شيء جيد، لكنه لا يعادل وضع نظرية جديدة عن الطبيعة. وكان هذا شيئا تاق فاينمان إليه بشدة. فلطالما شعر أن عمله في مجال الديناميكا الكهربائية الكمية عملا بدائيا يؤدي الغرض بالكاد، وليس عملا أصيلا جوهريا؛ ليس مثل المعادلة التي وضعها بطله المفضل ديراك!
كان ما جذب فاينمان أكثر هو احتمال التوصل إلى نظرية توحد بين جميع الظواهر المختلفة المرصودة للتفاعل الضعيف - بما فيها عمليات انحلال أنواع مختلفة جدا من الجسيمات، كالنيوترونات، والبايونات، والكاونات - في صورة واحدة. كان فيرمي قد وضع نموذجا تقريبيا لكنه جميل لانحلال بيتا، وإن كان مقصورا على جانب محدد، غير أن البيانات المتوافرة حول حالات الانحلال الضعيف للجسيمات المختلفة كانت غير حاسمة ومستعصية على التوحيد. وصار السؤالان المحوريان هما: هل ثمة تفاعل ضعيف موحد يصف كل هذه العمليات؟ وإن كان الأمر كذلك، فما شكله؟
وبخته شقيقته، التي كانت فيزيائية هي الأخرى، لتراخيه وإحجامه فيما يتعلق بعدم حفظ التناظر. لقد كانت تعلم أن قليلا من العمل فحسب - مصحوبا بالمثابرة لكتابته - كان كفيلا بإتمام الأمر. فحثته على ألا يتبع مبدأ الحرية الذهنية المطلقة فيما يتعلق بأفكاره بشأن التفاعل الضعيف.
في عصرنا الحاضر، يسهل عرض صورة خرق تناظر الانعكاس في التفاعل الضعيف باستخدام عبارة بسيطة: الجسيمات الغريبة المسماة ب «النيوترينوات»، وهي نواتج انحلال بيتا التي سماها فيرمي بهذا الاسم، والوحيدة المعروفة التي تتفاعل فقط بالتفاعل الضعيف، هي جسيمات «عسراء». فكما أوضحت من قبل، فإن معظم الجسيمات الأولية تحمل زخما زاويا وتتصرف وكأنها تتحرك حركة مغزلية. والأجسام التي تتحرك حركة مغزلية في اتجاه معين ترصد وكأنها تدور في الاتجاه المعاكس إذا نظرنا إليها في مرآة. وجميع الجسيمات الأخرى المعروفة يمكن قياسها وهي تسلك سلوكا يجعلها تبدو وكأنها تتحرك مغزليا إما في اتجاه عقارب الساعة وإما في عكس اتجاه عقارب الساعة، حسب التجربة التي يتم إجراؤها. غير أن النيوترينوات - تلك الجسيمات المراوغة المتفاعلة تفاعلا ضعيفا - تخرق تناظر المرآة إلى أقصى حد ممكن، على حد علمنا على الأقل. فهي تدور في اتجاه واحد فحسب!
Shafi da ba'a sani ba