Rayuwar Richard Feynman a Kimiyya
ريتشارد فاينمان: حياته في العلم
Nau'ikan
على الأقل، تلقائيا في صورة إشعاع.» وللتعبير عن هذا بطريقة أكثر بساطة، نقول إنه يمكن للإلكترون أن ينحل تلقائيا ليتحول إلى جسيم ذي شحنة موجبة ليتوافق مع حالة الطاقة السالبة. غير أن هذا من شأنه أن يغير إجمالي شحنة المنظومة، وهو أمر غير مسموح به في الكهرومغناطيسية. وعلاوة على ذلك، إذا كان الجسيم ذو الشحنة الموجبة هو البروتون الأثقل بكثير، فإن هذا التحول سيمثل أيضا خرقا لمبدأ حفظ الطاقة.
بغرض التعامل مع تلك المشكلات، قدم ديراك مقترحا جامحا. علينا أن نتذكر أن الإلكترونات فيرميونات، ومن ثم لا يمكن إلا لجسيم واحد فقط أن يوجد في كل حالة كم مختلفة. تخيل ديراك ما يمكن أن يحدث إذا احتوى حيز الفراغ بالفعل على «بحر» لا نهاية له من الإلكترونات سالبة الشحنة وصار من الممكن شغل جميع حالات الكم المتاحة لتلك الجسيمات. عندها لن توجد حالات متاحة تتحول إليها الإلكترونات الحقيقية موجبة الطاقة. علاوة على هذا، زعم ديراك أنه إذا صارت إحدى حالات الطاقة السالبة غير مشغولة وفقا لعملية ما، فإن هذا من شأنه أن يترك «فجوة» في التوزيع. واستجابة لغياب الإلكترون ذي الشحنة السالبة في بحر الإلكترونات، يمكن اعتبار الفجوة على أنها جسيم ذو شحنة موجبة، وهو ما يمكن اعتباره بروتونا.
كان التعليق المؤقت لحالة عدم التصديق الذي ترتب على تأكيدات ديراك هائلا. كان معناه الضمني أولا أن الفراغ - أي الحيز الخاوي من المادة - يحوي بصورة أو بأخرى عددا غير محدود من الجسيمات التي لا يمكن رصدها والتي تقابل المستويات المشغولة بطاقة سالبة، وعلاوة على ذلك فإن الفجوة المفردة في تلك المستويات المشغولة يمكن رؤيتها كبروتون، وهو جسيم مخالف تماما للإلكترون فيما عدا أنه يحمل نفس قدر شحنته الكهربية.
بقدر ما كان مقترح ديراك بوجود بحر لا نهائي من الجسيمات ذات الشحنة السالبة نوعا من الشجاعة الفكرية الفائقة، فقد كان مقترحه بأن الفجوات الموجودة في هذا البحر تمثل بروتونات ينم عن نوع نادر من الجبن الفكري. لقد بدت الحالات سالبة الطاقة في معادلته متوازنة تماما مع حالات الطاقة الموجبة، بما يشير إلى أن لها بالضبط نفس الكتلة، وهو ما يمثل تناقضا صريحا مع حقيقة أن البروتون أثقل كثيرا من الإلكترون. لقد حاول ديراك الالتفاف حول هذه المشكلة الواضحة بأن افترض أنه في البحر الممتلئ تكون التفاعلات بين الجسيمات في حالة تسمح للفجوات القليلة التي قد تظهر بتلقي إسهام إضافي يضيف إلى كتلتها نتيجة لتلك التفاعلات.
لو كان لدى ديراك قدر أكبر من الشجاعة لأمكنه ببساطة التنبؤ بأن تلك الفجوات تمثل جسيمات أولية جديدة في الطبيعة ذات كتلة مساوية لكتلة الإلكترون، لكنها ذات شحنة كهربية معاكسة. لكن حسبما قال لاحقا: «كل ما هنالك أنني لم أجرؤ على افتراض وجود جسيم جديد عند هذه المرحلة؛ لأن المناخ العام للرأي في ذلك الوقت كان ضد فكرة وجود جسيمات جديدة.»
ولعل ديراك كان يأمل في وضع تفسير لجميع الجسيمات الأولية المعروفة في ذلك الوقت، وهي الإلكترونات والبروتونات، باعتبارها ناتجة عن مظاهر متنوعة لجسيم واحد هو الإلكترون. يعكس هذا روح علم الفيزياء، وهي تفسير الظواهر التي تبدو مختلفة باعتبارها ليست سوى وجهين لعملة واحدة. وعلى كل الأحوال فإن الارتباك لم يدم طويلا. فقد بحث علماء فيزياء آخرون مشاهير هذه النظرية، من بينهم فيرنر هايزنبرج، وهيرمان وايل، وروبرت أوبنهايمر، واستدلوا على نحو صائب على أن التفاعلات الواردة في «بحر ديراك» لا يمكنها مطلقا أن تضيف كتلة إلى الفجوات وأن تؤدي إلى جعل هذه الفجوات تمتلك كتلة مختلفة عن كتلة الإلكترونات. وفي نهاية المطاف اضطر حتى ديراك نفسه للاعتراف بأن نظريته تنبأت بوجود جسيم جديد في الطبيعة، وهو الجسيم الذي أطلق عليه اسم «الإلكترون المضاد».
أعلن ديراك استسلامه عام 1931، وقد جاء إعلانه هذا في الوقت المناسب. فلم تحتج الطبيعة إلا لعام واحد حتى تثبت أنه على صواب، على الرغم من وجود قدر من التشكيك في احتمال وجود الجسيمات الأولية الجديدة غير المرئية حتى إنه بعد العثور على دلائل قوية على وجودها، لم تصدق مجموعة العلماء التي كانت أول من لاحظ الإلكترون المضاد، أو «البوزيترون» كما أطلق عليه فيما بعد، ما توصلت إليه من بيانات.
خلال ثلاثينيات القرن العشرين، وقبل اختراع معجلات الجسيمات وتصنيعها لأول مرة، كانت الغالبية العظمى من المعلومات عن الجسيمات الأولية تأتي من مشاهدات لمنتجات المعجلات الفيزيائية الفضائية الموجودة في الطبيعة، وتحديدا الأشعة الكونية التي تنهمر على كوكب الأرض يوميا، والتي تتباين مصادرها؛ فتارة تكون من مكان قريب كالشمس، أو من مصادر أكثر نشاطا مثل النجوم المتفجرة في مجرات بعيدة من الكون. في عام 1932 كانت هناك مجموعتان مختلفتان من العلماء على جانبي الأطلنطي تبحث كل منهما بيانات الأشعة الكونية. إحدى المجموعتين - وكانت تعمل في نفس المعمل الذي يعمل فيه ديراك بكامبريدج بالمملكة المتحدة - تحت قيادة باتريك بلاكيت، أبلغت ديراك أنها عثرت على أدلة تشير إلى جسيمه الجديد، غير أنهم جبنوا عن نشر نتائجهم قبل إجراء المزيد من الاختبارات. في هذه الأثناء - وربما على نحو مميز للسلوك الأمريكي الأكثر تهورا - نشر كارل أندرسون في كاليفورنيا دليلا مؤكدا على وجود البوزيترون عام 1932، وهو ما أوصله في نهاية المطاف لنيل جائزة نوبل عن اكتشافه هذا. ومن المثير أنه حتى بعد أن تشجع بلاكيت ومعاونه جيوسيبي أوشيلياني أخيرا بسبب اكتشاف أندرسون على نشر نتائجهما بعدها بعام، فقد ظلا مع ذلك مترددين في أن ينسبا هذا الجسيم إلى اقتراح ديراك. وأخيرا، بحلول نهاية عام 1933 اضطر حتى أولئك التجريبيون للاعتراف بأنه إذا كان الطائر يشبه البطة ويصيح مثل البطة، فهو على الأرجح بطة. لقد كانت الخصائص التي تنبأ بها ديراك تتفق بصورة مذهلة مع المشاهدات العملية، وسواء شئنا أم أبينا، بدا أن الإلكترونات والبوزيترونات - وهي أول مثال معروف من الطبيعة على الجسيمات المضادة - يمكن صنعهما أزواجا وسط السيول القوية التي تحدثها الأشعة الكونية التي تقصف أنوية الذرات.
فجأة صارت البوزيترونات حقيقة واقعة ! وقد قال ديراك فيما بعد وهو يتأمل تردده الأولي في قبول نتائج نظريته التي تنبأت بوجود الجسيمات المضادة: «كانت معادلتي أكثر ذكاء مني!» •••
في ظل تلك التطورات العجيبة والثورية، شرع ريتشارد فاينمان عامي 1947 و1948 في ابتكار «صور» جديدة لضم إلكترونات ديراك المتوافقة مع النسبية إلى الصورة الناشئة التي رسمها لميكانيكا الكم والتي تشتمل على حاصل جمع المسارات والمكان والزمان. وأثناء قيامه بهذا، اكتشف أنه بحاجة لإعادة ابتكار أسلوبه الخاص في ممارسة علم الفيزياء من جديد، على الرغم من أنه يحاول في الوقت نفسه إعادة ابتكار ذاته، والتعامل مع الخواء العميق في حياته الشخصية.
Shafi da ba'a sani ba