توجيه المتشابه اللفظي في القرآن الكريم عند المفسرين - دراسة في تفسيري الرازي والألوسي
توجيه المتشابه اللفظي في القرآن الكريم عند المفسرين - دراسة في تفسيري الرازي والألوسي
Nau'ikan
عليه وسلم في كنف حمايته وإنما لم يفعل سبحانه ذلك لأمر اقتضته حكمته، وأما الآية الأخرى فذكر قبلها إشراكهم فناسب ذكره عز اسمه بعنوان الألوهية التي تقتضي عدم الاشتراك فكأنه قيل ههنا: إذا كان ما فعلوه من أحكام عداوتك من فنون المفاسد بمشيئة ربك جل شأنه الذي لم تزل في كنف حمايته وظل تربيته فاتركهم وافتراءهم أو وما يفترونه من أنواع المكايد ولا تبال به فإن لهم في ذلك عقوبات شديدة ولك عواقب حميدة لابتناء مشيئته سبحانه على الحكم البالغة ألبتة» (^١).
بالإضافة إلى ذلك فقد أكثر الإمام الألوسي من توجيه المكرر وأبطل مزاعم التكرار، وأثبت بلاغة التعبير القرآني.
ومن الأمثلة على ذلك:
قال عند تفسيره قول الله ﷿: ﴿قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ (^٢): «﴿قُلْنَا اهبطوا مِنْهَا جَمِيعًا﴾ كرر للتأكيد، فالفصل لكمال الاتصال والفاء في ﴿فَتَلَقَّى﴾ للاعتراض، إذ لا يجوز تقدم المعطوف على التأكيد، وفائدته الإشارة إلى مزيد الاهتمام بشأن التوبة وأنه يجب المبادرة إليها، ولا يمهل فإنه ذنب آخر مع ما في ذلك من إظهار الرغبة بصلاح حاله ﵇ وفراغ باله، وإزالة ما عسى يتشبث به الملائكة ﵈، وقد فضل عليهم وأمروا بالسجود له، أو كرر ليتعلق عليه معنى آخر غير الأول، إذ ذكر إهباطهم أولًا: للتعادي وعدم الخلود، والأمر فيه تكويني. وثانيًا: ليهتدي من يهتدي، ويضل من يضل، والأمر فيه تكليفي، ويسمى هذا الأسلوب في البديع الترديد فالفصل حينئذ للانقطاع لتباين الغرضين، وقيل: إن إنزال القصص للاعتبار بأحوال السابقين، ففي تكرير الأمر تنبيه على أن الخوف الحاصل من تصور إهباط آدم ﵇ المقترن بأحد هذين الأمرين من التعادي والتكليف كاف لمن له حزم، وخلا عن عذر أن تعوقه عن مخالفة حكمه تعالى، فكيف المخالفة الحاصلة من تصور الإهباط المقترن بهما؟ فلو لم يعد الأمر لعطف ﴿فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم﴾ على الأول: فلا يفهم إلا إهباط مترتب عليه جميع هذه الأمور، ويحتمل على بعد
(^١) روح المعاني، (٤/ ٢٥٢). (^٢) سورة البقرة، الآية: (٣٨).
1 / 171