Remembrance for those who Fast: Virtues of Fasting and Prayer and Related Rulings
تذكرة الصوام بشيء من فضائل الصيام والقيام وما يتعلق بهما من أحكام
Mai Buga Littafi
وزارة الشئون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد
Lambar Fassara
الثانية
Shekarar Bugawa
١٤٢١هـ
Inda aka buga
المملكة العربية السعودية
Nau'ikan
[المقدمة تذكرة الصوام بشيء من فضائل الصيام والقيام وما يتعلق بهما من أحكام]
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة الحمد لله الذي فضل شهر رمضان على سائر الشهور، وجعله موسما للمنافسة في الخيرات، والتجارة التي لن تبور. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الرحيم الرحمن، الذي خصَّ شهر رمضان بإنزال القرآن، هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان.
وصلى الله وسلم على عبد الله ورسوله، نبينا محمد الذي لا خير إلا دلّ الأمة عليه وسبقها إليه، ولا شر إلا حذرها منه وكان أبعدها عنه. ورضي الله على آل بيته الطيبين الطاهرين، وصحابته الأئمة المهديين، والتابعين لهم لإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فهذه تذكرة موجزة بشيء من فضائل الصيام والقيام، وما يتيسر مما يتعلق بهما من أحكام. جمعتها لنفسي من كتب مشايخي، ومَنْ سَلف من أهل العلم جزاهم الله خيرا، وضاعف مثوبتهم، وأحببت أن ينتفع بها من شاء الله من إخواني المسلمين، تبليغا للعلم وقياما بواجب النصيحة. وسميتها:
1 / 3
تذكرة الصُّوام بشيء من فضائل الصيام والقيام وما يتعلق بهما من أحكام".
وأسأل الله تعالى أن يجعلها خالصة لوجهه، مقبولة لديه، وأستغفر الله من الخطأ والزلل في القول والعمل، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
عبد الله بن صالح القصير
1 / 4
[الفصل الأول أحكام الصيام]
[أولا حقيقة الصيام وحكمه]
الفصل الأول
أحكام الصيام أولا: حقيقة الصيام وحكمه.
ثانيا: من حكم فرضية الصيام.
ثالثا: فضائل الصيام.
رابعا: خصائص شهر رمضان.
خامسا: أحكام تتعلق بالصيام.
سادسا: أمور يفطر بها الصائم.
سابعا: أمور لا يفطر بها الصائم.
ثامنا: فضل قيام الليل.
تاسعا: فضل قيام رمضان.
عاشرا: فضل ليلة القدر.
1 / 5
أولا: - حقيقة الصيام وحكمه هو الإمساك عن الطعام والشراب والنكاح، وغيرها من المفطرات - بنية العبادة فريضة أو نافلة - من طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس.
قال تعالى: ﴿أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ﴾ [البقرة: ١٨٧] (١) .
فأباح سبحانه التمتع بهذه الأمور في ليل الصيام إلى الفجر، ثم أمر بالإمساك عنها من طلوع الفجر إلى غروب الشمس.
وقد جاء في السُنة الصحيحة عن النبي ﷺ ذكر أمور أخرى يفطر بها الصائم، غير تلك المذكورات في الآية، تأتي الإشارة إليها في موضعها - إن شاء الله - وألْحق أهل العلم بها أمورا من جنسها قياسا عليها لاتفاقها في العلة.
_________
(١) سورة البقرة، الآية: ١٨٧.
1 / 7
وصيام رمضان هو الركن الرابع من أركان الإسلام، وكان فرضه في السنة الثانية من الهجرة، ودليل فرضيته قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ [البقرة: ١٨٣] إلى قوله: ﴿أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ - شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ﴾ [البقرة: ١٨٤ - ١٨٥] (١) .
وفي الصحيحين عن النبي ﷺ قال: «بني الإسلام على خمس، شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان» (٢) ولمسلم: «وصوم رمضان وحج البيت» (٣) . وأحاديث كثيرة بمعناه في الصحيحين، وغيرهما من دواوين الإسلام.
وأجمع المسلمون على فرضيته إجماعا قطعيا معلوما بالضرورة من دين الإسلام، فمن أنكر وجوبه فقد كفر. فإن العلم
_________
(١) سورة البقرة، الآيات ١٨٣-١٨٥.
(٢) أخرجه البخاري برقم (٨) في الإيمان، باب: "قول النبي ﷺ: "بني الإسلام على خمس". ومسلم برقم (١٦) . في الإيمان، باب: "بيان أركان الإسلام. ." عن عبد الله بن عمرو ﵄.
(٣) أخرجه مسلم برقم (١٦) - ٢٢.
1 / 8
بفرضيته من العلم العام، الذي توارثته الأمة خلفا عن سلف.
ويجب الصوم على كل مسلم بالغ عاقل مقيم قادر سالم من الموانع، لقوله تعالى: ﴿فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ﴾ [البقرة: ١٨٥] (١) وقوله ﷺ كما في الصحيحين وغيرهما: «صوموا لرؤيته - يعني الهلال - وأفطروا لرؤيته. . .» الحديث (٢) .
تذكير: يجب على المسلم أن يصوم رمضان إيمانا واحتسابا، لا رياء ولا سمعة ولا مجاملة لأحد، ولا موافقة لأهله، أو متابعة لمجتمعه.
فإن الصائم لا ينال ثواب الصيام؛ ولا تجتمع له فوائده إلا إذا كان الحامل له إيمانه، بأن الله تعالى فرضه عليه رحمة منه به وإحسانا إليه، واحتسب الأجر على صيامه عند ربه، الذي وعد به الصائمين. كما في الصحيح عن النبي ﷺ قال: «من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه» (٣) وقد قال تعالى:
_________
(١) سورة البقرة: ١٨٥.
(٢) أخرجه البخاري برقم (١٩٠٩) في الصوم، باب: "إذا رأيتم الهلال فصوموا". ومسلم برقم (١٠٨١) في الصيام، باب: "وجوب صوم رمضان لرؤية الهلال. عن أبي هريرة ﵁.
(٣) أخرجه البخاري برقم (٣٨) في الإيمان، باب: "صوم رمضان إيمانا واحتسابا". ومسلم برقم (٧٦٠) في صلاة المسافرين وقصرها، باب: "الترغيب في قيام رمضان وهو التراويح" عن أبي هريرة ﵁.
1 / 9
﴿بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ [البقرة: ١١٢] (١) سواء كانت صوما أو غيره، والإحسان هو المتابعة والتأسي برسول الله ﷺ.
وكذلك يتعين على الصائم - فرضا أو نافلة - أن يصون صومه عما حرم الله عليه من الأقوال والأعمال والوسائل التي تبطل الصيام، أو تقدح فيه أو تنقص ثوابه، فإن المقصود بالصيام هو طاعة الله تعالى، وتعظيم حرماته، وجهاد النفس على مخالفة الهوى في طاعته، وتعويدها الصبر على محابه وعن محارمه ابتغاء وجهه.
وليس المقصود مجرد ترك الطعام والشراب وسائر الشهوات فقط، بل إنما شرع ترك هذه الأمور لأنها وسيلة توصل إلى ذلك، وتعين عليه، ولقطع الشواغل عنه والصوارف إلى ضده.
ولذا صح في الحديث عن النبي ﷺ أنه قال: «الصيام جنة؛ فإذا كان يوم صوم أحدكم، فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابه أحد أو قاتله فليقل: إني صائم» (٢) . لذا ينبغي للصائم أن يحفظ
_________
(١) سورة البقرة، الآية: ١١٢.
(٢) أخرجه البخاري برقم (١٩٠٤) في الصوم، باب: "هل يقول: إني صائم إذا شُتم؟ "، ومسلم برقم (١١٥١) في الصيام، باب: "فضل الصيام". . عن أبي هريرة.
1 / 10
صيامه، وأن يصون لسانه من جميع الكلام إلا ما ظهرت مصلحته، وترجحت فائدته. ففي الصحيحين عن النبي ﷺ قال: «ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليقل خيرا أو ليصمت» (١) .
وقد كان السلف الصالح رحمة الله عليهم إذا صاموا قعدوا في المساجد، وقالوا: نحتفظ صومنا ولا نغتاب أحدا، وذلك لأنه صح في الحديث عن النبي ﷺ أنه قال: «من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه» (٢) رواه البخاري.
وروي عن النبي ﷺ أنه قال: «رب صائم حظه من صيامه الجوع والظمأ» (٣) .
_________
(١) جزء من حديث أخرجه البخاري برقم (٦٠١٨) في الأدب، باب: "من كان يؤمن بالله واليوم الأخر فلا يؤذ جاره". ومسلم برقم (٤٧) في الإيمان، باب: "الحث على إكرام الجار. ." عن أبي هريرة.
وأخرجه البخاري برقم (٦٠١٩) ومسلم برقم (٤٨) عن أبي شُريح ﵁.
(٢) أخرجه البخاري برقم (١٩٠٣) في الصوم، باب: (من يدع قول الزور والعمل به". عن أبي هريرة ﵁.
(٣) أخرجه ابن ماجه برقم (١٦٩٠) وأحمد في المسند (٢ / ٣٧٣، ٤٤١) والبيهقي (٤ / ٢٧٠) . وصححه السيوطي في الجامع الصغير، من حديث أبي هريرة ﵁.
1 / 11
وفي ذلك التحذير الشديد، والزجر الأكيد عن أن يعرض الصائم نفسه إلى ما قد يفسد صيامه، أو ينقص ثوابه من قول الزور والعمل به، كالكذب، والبهتان، والغيبة، والنميمة، والشتم، وفاحش القول، بل كل ما لا مصلحة فيه من الكلام فينبغي اجتنابه والحذر منه في كل زمان ومكان.
وإذا شَرُف الزمان كرمضان، أو المكان كمكة، فإن السيئات قد تعظم، كما أن الحسنات تتضاعف، وربما كسب المفرط من آثامه ما يفوق حسنات صيامه، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
1 / 12
[ثانيا من حكم فرضية الصيام]
ثانيا: من حكم فرضية الصيام شرع الصيام لحكم عظيمة كثيرة، استوجبت أن يكون فريضة من فرائض الإسلام، وركنا من أركانه، فكم فيه من المنافع الجمة، وكم له من الآثار المباركة.
فالصيام عبادة يتقرب بها العبد إلى ربه، بترك محبوباته ومشتهياته، طاعة لربه وإيثارا لمحبته؛ فيقدم ما يحبه خالقه ومولاه على ما تحبه نفسه وتهواه، فيظهر بذلك صدق إيمانه، وكمال عبوديته لله، وخالص محبته، وعظيم طمعه ورجائه فيما وعد الله به أهل طاعته، من الرحمة والرضوان والمغفرة والإحسان والأجر العظيم والنعيم المقيم في الجنان.
وفي الصيام ممارسة ضبط النفس والسيطرة عليها والتحكم فيها، والأخذ بزمامها إلى ما فيه خيرها وسعادتها وفلاحها في العاجل والآجل، حيث يُصبِّر المرء نفسه على فعل الطاعات، وترك الشهوات.
وفي الصحيح قال ﷺ: «واعلم أن في الصبر على ما تكره خيرا كثيرا» (١) وقال ﵊: «وما أعطي أحد عطاء خيرا
_________
(١) جزء من حديث أخرجه الإمام أحمد في المسند (١ / ٣٠٧) وقد أطال أحمد شاكر في تحقيق المسند (٢٨٠٤) في الكلام حول هذا الحديث والحاصل أن إسناده صحيح وقد رواه الترمذي بلفظ مختلف (٢٥١٦) وقال: حديث حسن صحيح.
ورواه الإمام أحمد أيضا في المسند (١ / ٢٩٣، ٣٠٣) قال أحمد شاكر في تحقيقه على المسند (٢٦٦٩، ٢٧٦٣): إسناده صحيح.
1 / 13
ولا أوسع من الصبر» (١) . وفي التنزيل: ﴿وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ﴾ [آل عمران: ١٤٦] (٢) و﴿إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ [الأنفال: ٤٦] (٣) . وقال تعالى: ﴿إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ [الزمر: ١٠] (٤) .
وفي الصيام من كسر النفس والحد من كبريائها حتى تخضع للحق وتتواضع للخلق، ما لا نظير له؛ فإن الشبع والري ومباشرة النساء، يحمل كل منها جملة من الناس - غالبا - على الأشر، والعلو، وبطر الحق، وغمط الناس في كثير من الأحوال.
وفي الجوع والظمأ وهجر الشهوات - خصوصا على وجه العبودية لله - ما يكسر من حدتها ويكبح من جماحها، ويكون عونا للمرء عليها ويجعلها تستعد لطلب وتحصيل ما فيه غاية سعادتها، وقبول ما تزكو به في حياتها الأبدية. قال تعالى:
_________
(١) جزء من حديث أخرجه البخاري برقم (١٤٦٩) في الزكاة، باب: "الاستعفاف عن المسألة. ومسلم برقم (١٠٥٣) في الزكاة، باب: "فضل التعفف والصبر" عن أبي سعيد الخدري ﵁.
(٢) سورة آل عمران الآية: ١٤٦.
(٣) سورة الأنفال، الآية: ٤٦.
(٤) سورة الزمر، الآية: ١٠.
1 / 14
﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا - وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا﴾ [الشمس: ٩ - ١٠] (١) وقال تعالى: ﴿وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى - فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى﴾ [النازعات: ٤٠ - ٤١] (٢) .
والصيام يذكر العبد بعظيم نعم الله عليه وجزيل إحسانه إليه؛ فإنه إذا جاع وعطش وهجر شهوته ذكر الأكباد الجائعة والأنفس المحرومة، فكان ذلك من دواعي حمده لربه على نعمته وشكره له على جوده وكرمه، وكان ذلك من أسباب رقة قلبه مما يجعله يعطف على المساكين ويغيث الملهوفين فيواسيهم ويجود عليهم. وذلك من أسباب حفظ النعم وزيادتها، واندفاع النقم والسلامة من آفاتها.
فالصيام من أعظم أسباب تطهير النفوس من أدرانها، وتزكيتها بتهذيب أخلاقها، وتنقيتها من عيوبها، مع ما فيه من إصلاح القلوب وترقيقها، وزرع التقوى فيها وتقوية خشيتها من خالقها وباريها. قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ [البقرة: ١٨٣] (٣) .
فبين سبحانه أن الحكمة من فرض الصيام هي تحقيق التقوى.
_________
(١) سورة الشمس، الآيتان: ٩، ١٠.
(٢) سورة النازعات، الآيتان: ٤٠، ٤١.
(٣) سورة البقرة، الآية ١٨٣.
1 / 15
والتقوى كلمة جامعة لكل خصال الخير من فعل الطاعات، وترك المعاصي والسيئات، والحذر من مزالق الشهوات، واتقاء الشبهات.
وللصوم أثر واضح في الإعانة على ذلك، فإنه يلين القلب ويذكره بالله، ويقطع عنه الشواغل التي تصده عن الخير أو تجره إلى الشر، ويحبب إلى الصائم الإحسان وبذل المعروف. ولذا يشاهد تسابق معظم الصائمين إلى الخيرات، وتجافيهم عن المحرمات، وبعدهم عن الشبهات، وتنافسهم في جليل القربات.
1 / 16
[ثالثا فضائل الصيام]
ثالثا: فضائل الصيام الصوم عبادة من أجل العبادات، وقربة من أشرف القربات، وطاعة مباركة لها آثارها العظيمة الكثيرة العاجلة والآجلة، من تزكية النفوس، وإصلاح القلوب وحفظ الجوارح والحواس من الفتن والشرور، وتهذيب الأخلاق. وفيها من الإعانة على تحصيل الأجور العظيمة، وتكفير السيئات المهلكة، والفوز بأعالي الدرجات ما لا يوصف.
وناهيك بعمل اختصه الله من بين سائر الأعمال فقال كما في الحديث القدسي الصحيح: «كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به» (١) رواه البخاري. فكفى بذلك تنبيها على شرفه، وعظم موقعه عند الله، مما يؤذن بعظم الأجر عليه.
فإضافة الله تعالى الجزاء على الصيام إلى نفسه الكريمة تنبيه على عظم أجر الصيام، وأنه يضاعف عليه الثواب، أعظم من سائر الأعمال، ولذلك أضيف إلى الله تعالى من غير اعتبار عدد؛ فدل على أنه عظيم كثير بلا حساب.
_________
(١) أخرجه البخاري برقم (١٩٠٤) في الصوم، باب: "هل يقول: إني صائم إذا شتم؟ ". ومسلم برقم (٢٧٠٠) - ١٦٣ في الصيام، باب: "فضل الصيام". من حديث أبي هريرة ﵁.
1 / 17
ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: «كل عمل ابن آدم يضاعف، الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، قال الله ﷿: إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به» (١) . فما ظنك بثواب عمل يجزي عليه الكريم الجواد بلا حساب: ﴿قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾ [يونس: ٥٨] (٢) .
والإخلاص في الصيام أكثر من غيره؛ فإنه سر بين العبد وبين ربه لا يطلع عليه غيره إذ بإمكان الصائم أن يأكل متخفيا عن الناس، فإذا حفظ صيامه عن المفطرات ومنقصات الأجر، دل ذلك على كمال إخلاصه لربه، وإحسانه العمل ابتغاء وجهه. ولذا يقول سبحانه في الحديث القدسي السابق: «يدع شهوته وطعامه وشرابه من أجلي» (٣) . فنبه سبحانه على وجهة اختصاصه به وبالجزاء عليه وهو الإخلاص.
والصيام جنة، يقي الصائم ما يضره من الشهوات، ويجنبه الآثام التي تجعل صاحبها عرضة لعذاب النار، وتورثه الشقاء في
_________
(١) سبق تخريجه صفحة (١٧) .
(٢) سورة يونس، الآية: ٥٨.
(٣) أخرجه البخاري برقم (١٩٨٤) في الصوم، باب: "فضل الصوم". ومسلم برقم (١١٥١) - ١٦٤. في الصيام، باب: "فضل الصوم". عن أبي هريرة ﵁.
1 / 18
الدنيا والآخرة كما قال ﷺ: «يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء» (١) . ومعناه أن الصوم قامع لشهوة النكاح فيقي صاحبه عنت العزوبة ومخاطرها.
وقال ﷺ: «الصيام جُنَّة فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابَّه أحد أو قاتله فليقل إني امرؤ صائم» (٢) رواه البخاري.
وفي المسند عن جابر ﵁ عن النبي ﷺ قال: «الصيام جنة؛ يستجن بها العبد من النار» (٣) .
ومن فضائل الصوم، أنه من أسباب استجابة الدعاء، ولعل في قوله تعالى: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾ [البقرة: ١٨٦] (٤) ما ينبه على الصلة الوثيقة بين الصيام وإجابة الدعاء.
_________
(١) أخرجه البخاري برقم (٥٠٦٥) في النكاح، باب: "قول النبي ﷺ من استطاع. . . ". ومسلم برقم (١٤٠٠) . في النكاح، باب: "استحباب النكاح لمن تاقت نفسه إليه. . . ". من حديث عبد الله بن مسعود ﵁.
(٢) سبق تخريجه ص (١٠) .
(٣) أخرجه الإمام أحمد في مسنده (٣ / ٣٩٦) قال المنذري في الترغيب (٢ / ٨٣): رواه أحمد بإسناد حسن والبيهقي.
(٤) سورة البقرة، الآية: ١٨٦.
1 / 19
ومن فضائل الصوم، أنه من أسباب تكفير الذنوب، كما في صحيح مسلم عن أبي هريرة ﵁: «الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفرات ما بينهن إذا اجتنبت الكبائر» (١) .
وفي صحيح مسلم عن أبي قتادة ﵁ قال: «سئل رسول الله ﷺ عن صوم يوم عرفة؛ قال: " يكفر السنة الماضية والباقية ". وسئل عن صيام يوم عاشوراء؟ فقال: " يكفر السنة الماضية» (٢) .
ومن فضائل الصوم، أنه يشفع لصاحبه يوم القيامة، لما روى الإمام أحمد عن عبد الله بن عمر ﵄ أن النبي ﷺ قال: «الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة. يقول الصيام: أي ربِّ؛ منعته الطعام والشهوة فشفعني فيه، ويقول القرآن: منعته النوم بالليل فشفعني فيه. قال: فيشفعان» (٣) .
ومن فضائل الصوم، فرح الصائم بما يسره في العاجل
_________
(١) أخرجه مسلم برقم (٢٣٣) - ١٦) في الطهارة، باب: "الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة. . . . . ".
(٢) جزء من حديث أخرجه مسلم برقم (١١٦٢) - ١٩٧ في الصيام، باب: "استحباب صيام ثلاثة أيام من كل شهر. . . ".
(٣) أخرجه أحمد في المسند (٢ / ١٧٤) والحاكم في المستدرك (١ / ٥٥٤) والبيهقي في مجمع الزوائد (٣ / ١٨١) . قال أحمد شاكر في تحقيق المسند (٦٦٢٧): إسناده صحيح.
1 / 20
والآجل، كما في الصحيحين عن النبي ﷺ قال: «للصائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرح بفطره، وإذا لقي ربه فرح بصومه» (١) . وهذا من الفرح المحمود لأنه فرح بفضل الله ورحمته، ولعل فرحه بفطره لأن الله منَّ عليه بالهداية إلى الصيام والإعانة عليه حتى أكمله، وبما أحله الله له من الطيبات التي يكسبها الصيام لذة وحلاوة لا توجد في غيره. ويفرح عند لقاء ربه حين يلقى الله راضيا عنه ويجد جزاءه عنده كاملا موفرا.
ومما ينبه على فضل الصيام، وطيب عاقبته في الآخرة قوله ﷺ: «والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك» (٢) . وإنما كانت هذه الريح طيبة عند الله تعالى - مع أنها كريهة في الدنيا - لأنها ناشئة عن طاعته فهي محبوبة لديه.
ولعل في الحديث ما يشير إلى أن هذا الخلوف يفوح يوم القيامة من فم صاحبه أطيب من ريح المسك، حين يقف بين يدي ربه، مثله مثل الشهيد حين يأتي يوم القيامة، ففي الصحيح عن
_________
(١) أخرجه البخاري برقم (١٩٠٤) في الصوم، باب: "هل يقول إني صائم إذا شتم؟ ". ومسلم برقم (١٥١١) - ١٦٤. في الصيام، باب: "فضل الصيام". عن أبي هريرة ﵁.
(٢) أخرجه البخاري برقم (١٨٩٤) في الصوم، باب: "فضل الصوم". ومسلم برقم (١١٥١) - ١٦٢) . في الصيام، باب: "فضل الصوم". من حديث أبي هريرة ﵁.
1 / 21
أبي هريرة ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: «ما من مكلوم يكلم في سبيل الله إلا جاء يوم القيامة وكلمه يدمي، اللون لون دم والريح ريح مسك» (١) متفق عليه.
ومن فضائل الصيام، أن الله اختص أهله بابا من أبواب الجنة لا يدخل منه سواهم، فينادون منه يوم القيامة إكراما لهم، وإظهارا لشرفهم، كما في الصحيحين عن سهل بن سعد ﵁ أن النبي ﷺ قال: «إن في الجنة بابا يقال له: الريان، يدخل منه الصائمون يوم القيامة، لا يدخل منه أحد غيرهم، يقال: أين الصائمون؛ فيقومون فيدخلون، فإذا دخلوا أغلق فلم يدخل منه أحد» (٢) .
وانظر كيف يقابل عطش الصُّوام في الدنيا باب الريان، في يوم يكثر فيه العطشى؟ جعلنا الله ممن يشرب يوم القيامة شربة لا يظمأ بعدها أبدا بمنِّه وكرمه وجوده وفضله ورحمته، فإنه لطيف بعباده وهو أرحم الراحمين.
_________
(١) أخرجه البخاري برقم (٢٣٧) في الوضوء، باب: "ما يقع من النجاسات في السمن والماء"، ومسلم برقم (١٨٧٦) في الإمارة، باب: "فضل الجهاد والخروج في سبيل الله". وهذا لفظ البخاري.
(٢) أخرجه البخاري برقم (١٨٩٦) في الصوم، باب: "الريان للصائمين". ومسلم برقم (١١٥٢) في الصيام، باب: "فضل الصيام".
1 / 22
[رابعا خصائص شهر رمضان]
رابعا: خصائص شهر رمضان لما كان للصوم تلك الفضائل العظيمة والعواقب الكريمة؛ التي سبقت الإشارة إلى طرف منها، فرضه الله على عباده شهرا في السنة، وكتبه عليهم كما كتبه على الذين من قبلهم، كما قال سبحانه: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ [البقرة: ١٨٣] (١) .
فجعل سبحانه صيام رمضان فريضة على كل مسلم ومسلمة، بشروطه المعتبرة، التي جاء بها الكتاب والسنة، فدل على أنه عبادة لا غنى للخلق عن التعبد بها، لما يترتب على أدائها من جليل المنافع وطيب العواقب، وما يحدثه من خير في النفوس، وقوة في الحق، وهجر للمنكر، وإعراض عن الباطل.
ومما اختص الله به شهر رمضان، ما ثبت في الصحيح عن النبي ﷺ قال: «إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة» (٢) . رواه
_________
(١) سورة البقرة الآية: ١٨٣.
(٢) أخرجه البخاري برقم (١٨٩٨) في الصوم. باب: "هل يقال رمضان أو شهر رمضان. . . . . ". واللفظ له. عن أبي هريرة ﵁.
وأخرجه مسلم برقم (١٠٨٠) في الصيام، باب: "فضل رمضان" بلفظ: "إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب النار وصفدت الشياطين" عن أبي هريرة.
1 / 23