Refuting the Invocation of Others besides Allah or Believing Soothsayers and Fortune-tellers
إقامة البراهين على حكم من استغاث بغير الله أو صدق الكهنة والعرافين
Mai Buga Littafi
الكتاب منشور على موقع وزارة الأوقاف السعودية بدون بيانات
Nau'ikan
[الرسالة الأولى في بيان حكم الاستغاثة بالنبي ﷺ والاستنصار به]
[النصر بيد الله وحده وليس بيد النبي ﷺ]
إقامة البراهين
على حكم من استغاث بغير الله
أو صدق الكهنة والعرافين
1 / 3
بسم الله الرحمن الرحيم
الرسالة الأولى الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه، أما بعد: فقد نشرت صحيفة المجتمع الكويتية في عددها ١٥ الصادر في ١٩/ ٤ / ١٣٩٥ هـ أبياتا تحت عنوان (في ذكرى المولد النبوي الشريف) تتضمن الاستغاثة بالنبي ﷺ والاستنصار به لإدراك الأمة ونصرها وتخليصها مما وقعت فيه من التفرق والاختلاف، بإمضاء من سمت نفسها (آمنة)، وهذا نص الأبيات المشار إليها: -
يا رسول الله أدرك عالَما ... يشعل الحرب ويصلى من لظاها
يا رسول الله أدرك أمة ... في ظلام الشك قد طال سراها
يا رسول الله أدرك أمة ... في متاهات الأسى ضاعت رؤاها
1 / 7
إلى أن قالت: -
يا رسول الله أدرك أمة ... في ظلام الشك قد طال سراها
عجل النصر كما عجلته ... يوم بدر حين ناديت الإلها
فاستحال الذل نصرا رائعا ... إن لله جنودا لا تراها
(الله أكبر) هكذا توجه هذه الكاتبة نداءها واستغاثتها إلى الرسول ﷺ طالبة منه إدراك الأمة بتعجيل النصر، ناسية أو جاهلة أن النصر بيد الله وحده، ليس ذلك بيد النبي ﷺ ولا غيره من المخلوقات، كما قال الله سبحانه في كتابه المبين: ﴿وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ﴾ [آل عمران: ١٢٦] (١) وقال ﷿: ﴿إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ﴾ [آل عمران: ١٦٠] (٢) .
[الله سبحانه خلق الخلق ليعبدوه وأرسل الرسل لبيان تلك العبادة والدعوة إليها]
وقد علم بالنص والإجماع أن الله
_________
(١) سورة آل عمران الآية ١٢٦.
(٢) سورة آل عمران الآية ١٦٠.
1 / 8
سبحانه خلق الخلق ليعبدوه، وأرسل الرسل وأنزل الكتب لبيان تلك العبادة والدعوة إليها كما قال سبحانه: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات: ٥٦] (١) وقال تعالى: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾ [النحل: ٣٦] (٢) وقال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ﴾ [الأنبياء: ٢٥] (٣) وقال ﷿: ﴿الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ - أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ﴾ [هود: ١ - ٢] (٤) فأوضح سبحانه في هذه الآيات المحكمات أنه لم يخلق الثقلين إلا ليعبدوه وحده لا شريك له، وبين أنه أرسل الرسل عليهم الصلاة والسلام للأمر بهذه العبادة والنهي عن ضدها، وأخبر ﷿ أنه أحكم آيات كتابه وفصلها لئلا يعبد غيره
_________
(١) سورة الذاريات الآية ٥٦.
(٢) سورة النحل الآية ٣٦.
(٣) سورة الأنبياء الآية ٢٥.
(٤) سورة هود الآية ١-٢.
1 / 9
سبحانه، والعبادة: هي توحيده وطاعته بامتثال أوامره وترك نواهيه، وقد أمر الله بذلك في آيات كثيرة منها قوله سبحانه: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ﴾ [البينة: ٥] (١) الآية وقوله ﷿: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ﴾ [الإسراء: ٢٣] (٢) وقوله سبحانه: ﴿فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ - أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ﴾ [الزمر: ٢ - ٣] (٣) والآيات في هذا المعنى كثيرة كلها تدل على وجوب إخلاص العبادة لله وحده وترك عبادة ما سواه من الأنبياء وغيرهم ولا ريب أن الدعاء من أهم أنواع العبادة وأجمعها، فوجب إخلاصه لله وحده كما قال ﷿: ﴿فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ﴾ [غافر: ١٤] (٤) وقال ﷿:
_________
(١) سورة البينة الآية ٥.
(٢) سورة الإسراء الآية ٢٣.
(٣) سورة الزمر الآية ٢-٣.
(٤) سورة غافر الآية ١٤.
1 / 10
﴿وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا﴾ [الجن: ١٨] (١) وهذا يعم جميع المخلوقات من الأنبياء وغيرهم، لأن (أحدا) نكرة في سياق النهي فتعم كل من سوى الله سبحانه. وقال تعالى: ﴿وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ﴾ [يونس: ١٠٦] (٢) وهذا خطاب للنبي ﷺ ومعلوم أن الله سبحانه قد عصمه من الشرك وإنما المراد من ذلك تحذير غيره، ثم قال ﷿: ﴿فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ [يونس: ١٠٦] (٣) فإذا كان سيد ولد آدم ﵊ لو دعا غير الله يكون من الظالمين فكيف بغيره؟ والظلم إذا أطلق يراد به الشرك الأكبر كما قال سبحانه: ﴿وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ [البقرة: ٢٥٤] (٤) وقال تعالى: ﴿إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾ [لقمان: ١٣] (٥) فعلم بهذه الآيات وغيرها أن دعاء غير الله من الأموات والأشجار والأصنام وغيرها شرك بالله ﷿ ينافي
_________
(١) سورة الجن الآية ١٨.
(٢) سورة يونس الآية ١٠٦.
(٣) سورة يونس الآية ١٠٦.
(٤) سورة البقرة الآية ٢٥٤.
(٥) سورة لقمان الآية ١٣.
1 / 11
العبادة التي خلق الله الثقلين من أجلها وأرسل الرسل وأنزل الكتب لبيانها والدعوة إليها، وهذا معنى " لا إله إلا الله " فإن معناها لا معبود بحق إلا الله، فهي تنفي العبادة عن غير الله وتثبتها لله وحده، كما قال الله سبحانه: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ﴾ [لقمان: ٣٠] (١) وهذا هو أصل الدين وأساس الملة، ولا تصح العبادات إلا بعد صحة هذا الأصل كما قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ [الزمر: ٦٥] (٢) وقال سبحانه: ﴿وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [الأنعام: ٨٨] (٣) .
[دين الإسلام مبني على أصلين عظيمين]
ودين الإسلام مبني على أصلين عظيمين:
_________
(١) سورة لقمان الآية ٣٠.
(٢) سورة الزمر الآية ٦٥.
(٣) سورة الأنعام الآية ٨٨.
1 / 12
أحدهما: أن لا يعبد إلا الله وحده. والثاني: أن لا يعبد إلا بشريعة نبيه ورسوله محمد ﷺ وهذا معنى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فمن دعا الأموات من الأنبياء وغيرهم، أو دعا الأصنام أو الأشجار أو الأحجار أو غير ذلك من المخلوقات أو استغاث بهم أو تقرب إليهم بالذبائح والنذور أو صلى لهم أو سجد لهم: فقد اتخذهم أربابا من دون الله وجعلهم أندادا له سبحانه، وهذا يناقض هذا الأصل وينافي معنى لا إله إلا الله، كما أن من ابتدع في الدين ما لم يأذن به الله لم يحقق معنى شهادة أن محمدا رسول الله، وقد قال الله ﷿: ﴿وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا﴾ [الفرقان: ٢٣] (١) وهذه الأعمال هي أعمال من مات على الشرك بالله ﷿، وهكذا الأعمال المبتدعة التي لم يأذن بها الله فإنها
_________
(١) سورة الفرقان الآية ٢٣.
1 / 13
تكون يوم القيامة هباء منثورا لكونها لم توافق شرعه المطهر، كما قال النبي ﷺ: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد» متفق على صحته. وهذه الكاتبة قد وجهت استغاثتها ودعاءها للرسول ﷺ وأعرضت عن رب العالمين الذي بيده النصر والضر والنفع وليس بيد غيره شيء من ذلك. ولا شك أن هذا ظلم عظيم وشرك وخيم، وقد أمر الله ﷿ بدعائه سبحانه ووعد من يدعوه بالاستجابة وتوعد من استكبر عن ذلك بدخول جهنم، كما قال ﷿: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾ [غافر: ٦٠] (١) أي صاغرين ذليلين، وقد دلت هذه الآية الكريمة على أن الدعاء عبادة، وعلى أن من استكبر عنه فمأواه جهنم، فإذا كانت هذه حال من استكبر عن دعاء الله فكيف تكون حال
_________
(١) سورة غافر الآية ٦٠.
1 / 14
من دعا غيره وأعرض عنه وهو سبحانه القريب المجيب المالك لكل شيء والقادر على كل شيء، كما قال سبحانه: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾ [البقرة: ١٨٦] (١) وقد أخبر الرسول ﷺ في الحديث الصحيح أن الدعاء هو العبادة، وقال لابن عمه عبد الله بن عباس - رضى الله عنهما: «احفظ الله يحفظك احفظ الله تجده تجاهك إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله» أخرجه الترمذي وغيره، وقال ﷺ: «من مات وهو يدعو لله ندا دخل النار» رواه البخاري، وفي الصحيحين «عن النبي ﷺ أنه سئل: أي الذنب أعظم؟ قال: أن تجعل لله ندا وهو خلقك» والند هو النظير والمثيل، فكل من دعا غير الله أو استغاث به أو نذر له أو ذبح له أو صرف له شيئا من العبادة
_________
(١) سورة البقرة الآية ١٨٦.
1 / 15
سوى ما تقدم فقد اتخذه ندا لله، سواء كان نبيا أو وليا أو ملكا أو جنيا أو صنما أو غير ذلك من المخلوقات، أما سؤال الحي الحاضر بما يقدر عليه والاستعانة به في الأمور الحسية التي يقدر عليها فليس ذلك من الشرك بل من الأمور العادية الجائزة بين المسلمين، كما قال تعالى في قصة موسى: ﴿فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ﴾ [القصص: ١٥] (١) وكما قال تعالى في قصة موسى أيضا: ﴿فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ﴾ [القصص: ٢١] (٢) وكما يستغيث الإنسان بأصحابه في الحرب وغيرها من الأمور التي تعرض للناس، ويحتاجون فيها إلى أن يستعين بعضهم ببعض.
[أمر الله نبيه ﷺ أن يبلغ الناس أنه لا يملك لأحد نفعا ولا ضرا]
وقد أمر الله نبيه ﷺ أن يبلغ الناس أنه لا يملك لأحد نفعا ولا ضرا فقال في سورة الجن: ﴿قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِهِ أَحَدًا﴾ [الجن: ٢٠]
_________
(١) سورة القصص الآية ١٥.
(٢) سورة القصص الآية ٢١.
1 / 16
﴿قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا﴾ [الجن: ٢١] (١) وقال تعالى في سورة الأعراف: ﴿قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ [الأعراف: ١٨٨] (٢) والآيات قي هذا المعنى كثيرة وهو ﷺ لا يدعو إلا ربه ولا يستغيث إلا به، وكان في يوم بدر يستغيث بالله ويستنصره على عدوه ويلح في ذلك، ويقول: «يا رب أنجز لي ما وعدتني» حتى قال الصديق الأكبر أبو بكر ﵁: "حسبك يا رسول الله فإن الله منجز لك ما وعدك" وأنزل الله سبحانه في ذلك قوله تعالى: ﴿إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ - وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ [الأنفال: ٩ - ١٠] (٣) فذكرهم سبحانه في هذه الآيات
_________
(١) سورة الجن الآية ٢٠-٢١.
(٢) سورة الأعراف الآية ١٨٨.
(٣) سورة الأنفال الآية ٩-١٠.
1 / 17
استغاثتهم به، وأخبر أنه استجاب لهم بإمدادهم بالملائكة، ثم بين سبحانه أن النصر ليس من الملائكة وإنما أمدهم بهم للتبشير بالنصر والطمأنينة، وبين أن النصر من عنده فقال: ﴿وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ﴾ [الأنفال: ١٠] وقال ﷿ في سورة آل عمران: ﴿وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [آل عمران: ١٢٣] (١) فبين في هذه الآية أنه سبحانه هو الناصر لهم يوم بدر فعلم بذلك أن ما أعطاهم من السلاح والقوة وما أمدهم به من الملائكة كل ذلك من أسباب النصر والتبشير والطمأنينة.
وليس النصر منها بل هو من عند الله وحده، فكيف يجوز لهذه الكاتبة أو غيرها أن توجه استغاثتها وطلبها النصر إلى النبي ﷺ وتعرض عن رب العالمين المالك لكل شيء والقادر على كل شيء؟!
_________
(١) سورة آل عمران الآية ١٢٣.
1 / 18
لا شك أن هذا من أقبح الجهل بل من أعظم الشرك، فالواجب على الكاتبة أن تتوب إلى الله سبحانه توبة نصوحا وذلك بالندم على ما وقع منها والإقلاع منه والعزم على عدم العود إليه تعظيما له وإخلاصا له وامتثالا لأمره وحذرا مما نهى عنه، هذه هي التوبة النصوح، وإذا كانت من حق المخلوقين وجب في التوبة أمر رابع وهو رد الحق إلى مستحقه أو تحلله منه، وقد أمر الله عباده بالتوبة ووعدهم قبولها كما قال تعالى: ﴿وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [النور: ٣١] (١) وقال في حق النصارى: ﴿أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [المائدة: ٧٤] (٢) وقال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا - يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا﴾ [الفرقان: ٦٨ - ٦٩]
_________
(١) سورة النور الآية ٣١.
(٢) سورة المائدة الآية ٧٤.
1 / 19
﴿إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ [الفرقان: ٧٠] (١) وقال تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ﴾ [الشورى: ٢٥] (٢) وصح عن رسول الله ﷺ أنه قال: " «الإسلام يهدم ما كان قبله والتوبة تجب ما كان قبلها» ".
ولعظم خطر الشرك وكونه أعظم الذنوب وخشية الاغترار بما صدر من هذه الكاتبة ولوجوب النصح لله ولعباده حررت هذه الكلمة الموجزة، وأسأل الله ﷿ أن ينفع بها وأن يصلح أحوالنا وأحوال المسلمين جميعا، وأن يمن علينا جميعا بالفقه في الدين والثبات عليه، وأن يعيذنا والمسلمين من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا إنه ولي ذلك والقادر عليه وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وآله وصحبه. . .
[الرسالة الثانية في بيان حكم دعاء غير الله سبحانه والاستنجاد به في المهمات]
[الله سبحانه خلق الثقلين ليعبدوه دون كل ما سواه وليخصوه بالدعاء]
الرسالة الثانية من عبد العزيز بن عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى من يراه من المسلمين، وفقني الله وإياهم للتمسك بدينه والثبات عليه آمين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
أما بعد: فقد سألني بعض الإخوان عما يفعله بعض الجهال من دعاء غير الله سبحانه والاستنجاد به في المهمات، كدعاء الجن والاستغاثة بهم والنذر لهم والذبح لهم وشبه ذلك، ومن ذلك قول بعضهم: (يا سبعة خذوه) يعني بذلك سبعة من رؤساء الجن، (يا سبعة افعلوا به كذا)، (اكسروا عظامه اشربوا دمه مثلوا به)، ومن ذلك قول بعضهم: (خذوه يا جن الظهيرة يا جن العصر) وهذا يوجد كثيرا في بعض الجهات الجنوبية، ومما يلتحق بهذا الأمر دعاء الأموات من الأنبياء والصالحين
_________
(١) سورة الفرقان الآية ٦٨- ٧٠.
(٢) سورة الشورى الآية ٢٥.
1 / 20
وغيرهم، ودعاء الملائكة والاستغاثة بهم، فهذا كله وأشباهه واقع من كثير ممن ينتسب إلى الإسلام جهلا منه وتقليدا لمن قبله، وربما سهل بعضهم في ذلك بقوله: هذا شيء يجري على اللسان لا نقصده ولا نعتقده. وسألني أيضا عن حكم مناكحة من عرف بهذه الأعمال وذبائحهم والصلاة عليهم وخلفهم، وعن تصديق المشعوذين والعرافين، كمن يدعي معرفة المرض وأسبابه بمجرد إشرافه على شيء مما مس جسد المريض كالعمامة والسراويل والخمار وأشباه ذلك.
والجواب: الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهم إلى يوم الدين، أما بعد:
فإن الله ﷾ قد خلق الثقلين ليعبدوه دون كل ما سواه وليخصوه بالدعاء
1 / 22
والاستغاثة والذبح والنذر وسائر العبادات، وقد بعث الرسل بذلك وأمرهم به وأنزل الكتب السماوية التي أعظمها القرآن الكريم ببيان ذلك والدعوة إليه وتحذير الناس من الشرك بالله وعبادة غيره، وهذا هو أصل الأصول وأساس الملة والدين وهو معنى شهادة أن لا إله إلا الله لأن معناها لا معبود بحق إلا الله، فهي تنفي الألوهية - وهي العبادة - عن غير الله، وتثبت العبادة لله وحده دون ما سواه من سائر المخلوقات، والأدلة على هذا من كتاب الله وسنة رسوله ﷺ كثيرة جدا، منها قوله ﷿: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات: ٥٦] (١) وقوله سبحانه: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ﴾ [الإسراء: ٢٣] (٢) وقوله تعالى: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ﴾ [البينة: ٥] (٣) وقوله:
_________
(١) سورة الذاريات الآية ٥٦.
(٢) سورة الإسراء الآية ٢٣.
(٣) سورة البينة الآية ٥.
1 / 23
﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾ [غافر: ٦٠] (١) وقال تعالى: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ﴾ [البقرة: ١٨٦] (٢) فبين سبحانه في هذه الآيات أنه خلق الثقلين لعبادته، وأنه قضى أن لا يعبد إلا هو ﷾، ومعنى قضى: أمر وأوصى، فهو سبحانه أمر عباده وأوصاهم في محكم القرآن وعلى لسان الرسول ﵊ ألا يعبدوا إلا ربهم، وأوضح جل وعلا أن الدعاء عبادة عظيمة من استكبر عنها دخل النار، وأمر عباده أن يدعوه وحده، وأخبر أنه قريب يجيب دعوتهم، فوجب على جميع العباد أن يخصوا ربهم بالدعاء لأنه نوع من العبادة التي خلقوا لها وأمروا بها، وقال ﷿:
_________
(١) سورة غافر ٦٠.
(٢) سورة البقرة الآية ١٨٦.
1 / 24
﴿قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ - لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ﴾ [الأنعام: ١٦٢ - ١٦٣] (١) أمر الله نبيه ﷺ أن يخبر الناس أن صلاته ونسكه- وهو الذبح- ومحياه ومماته لله رب العالمين لا شريك له، فمن ذبح لغير الله فقد أشرك بالله كما لو صلى لغير الله لأن الله سبحانه جعل الصلاة والذبح قرينين، وأخبر أنهما لله وحده لا شريك له، فمن ذبح لغير الله من الجن والملائكة والأموات وغيرهم يتقرب إليهم بذلك فهو كمن صلى لغير الله.
[شرك يستحق دخول النار لا تناله الشفاعة]
وفي الحديث الصحيح يقول النبي ﵊: «لعن الله من ذبح لغير الله» وأخرج الإمام أحمد بسند حسن عن طارق بن شهاب ﵁ عن النبي ﷺ أنه قال: «مر رجلان على قوم لهم صنم لا يجوزه أحد حتى يقرب له شيئا، فقالوا لأحدهما: قرب، قال: ليس عندي شيء أقرب، قالوا؟ قرب ولو ذبابا، فقرب ذبابا فخلوا سبيله فدخل النار،
_________
(١) سورة الأنعام ١٦٢-١٦٣.
1 / 25
وقالوا للآخر: قرب، قال: ما كنت لأقرب لأحد شيئا دون الله ﷿، فضربوا عنقه فدخل الجنة» فإذا كان من تقرب إلى الصنم ونحوه بالذباب ونحوه يكون شركا يستحق دخول النار، فكيف بمن يدعو الجن والملائكة والأولياء ويستغيث بهم وينذر لهم ويتقرب إليهم بالذبائح يرجو بذلك حفظ ماله، أو شفاء مريضه، أو سلامة دوابه وزرعه، أو يفعل ذلك خوفا من شر الجن أو ما أشبه ذلك؟ فهذا وأشباهه أولى بأن يكون مشركا مستحقا لدخول النار من هذا الرجل الذي قرب الذباب للصنم. ومما ورد في ذلك أيضا قوله ﷿: ﴿فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ - أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ﴾ [الزمر: ٢ - ٣] (١) .
وقال تعالى:
_________
(١) سورة الزمر الآية ٢-٣.
1 / 26