كَيْلَا يَضِلُّوا بِمِحْنَتِهِمْ هَذِهِ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَعْرِفُوا ضِدَّهَا مِنَ الحُجَجِ الَّتِي تَنْقُضُ دَعْوَاهُمْ وَتُبْطِلُ حُجَجَهُمْ.
(١٢٩) فَقَدْ كَتَبَ إِلَيَّ عَلِيُّ بْنُ خَشْرَمٍ، أَنَّهُ سَمِعَ عِيسَى بْنَ يُونُسَ يَقُول: «لَا تُجَالِسُوا الجَهْمِيَّةَ، وَبَيِّنُوا لِلنَّاسِ أَمْرَهُمْ، كَيْ يَعْرِفُوهُمْ فَيَحْذَرُوهُمْ» (١).
وَقَالَ ابْنُ المُبَارَكِ: «لَأَنْ أَحْكِيَ كَلَامَ اليَهُودِ وَالنَّصَارَى؛ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَحْكِيَ كَلَامَ الجَهْمِيَّةِ».
فَحِينَ خَاضَتِ الجَهْمِيَّةُ فِي شَيْءٍ مِنْهُ وَأَظْهَرُوهُ وَادَّعَوْا أَنَّ كَلَامَ الله مَخْلُوقٌ، وأَنْكَرَ ذَلِكَ ابْنُ المُبَارَكِ، وَزَعَمَ أَنَّهُ غَيْرُ مَخْلُوق، فَإِنَّ مَنْ قَالَ: ﴿إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا﴾ [طه: ١٤]، مَخْلُوقٌ؛ فَهُوَ كَافِرٌ.
(١٣٠) حَدَّثَنِيهِ يَحْيَى الحِمَّانِيُّ، عَنِ الحَسَنِ بْنِ الرَّبِيعِ، عَنِ ابْنِ المُبَارَكِ (٢).
[٣٦/و] فَكَرِهَ ابْنُ المُبَارَكِ حِكَايَةَ كَلَامِهِمْ قَبْلَ أَنْ يُعْلِنُوهُ. فَلَمَّا أَعْلَنُوهُ أَنْكَرَ عَلَيْهِمْ وَعَابَهُمْ ذَلِكَ.
وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ حَنْبَلٍ: «كُنَّا نَرَى السُّكُوتَ عَنْ هَذَا قَبْلَ أَن يَخُوضَ فِيهِ هَؤُلَاءِ، فَلَمَّا أَظْهَرُوُه لم نَجِدْ بُدًّا مِنْ مُخَالَفَتِهِمْ وَالرَّدِّ عَلَيْهِم».
ولَمْ يَقُلْ أَبُو أُسَامَةَ وَأَبُو مُعَاوِيَةَ: أَنَّهُ مَتَى مَا أَظْهَرَتِ الجَهْمِيَّةُ مِحْنَتَهُمْ وَأَذَاعُوا كُفْرَهُمْ وَدَعَوُا النَّاسَ إِلَيْهَا، فَأَمْسِكُوا عَنِ الإِنْكَارِ عَلَيْهِمْ حَتَّى يَسْتَمِرَّ فِي النَّاسِ كُفْرُهُمْ، وَتَدْرُسَ سُنَنُ رَسُولِ الله ﷺ وَأَصْحَابِهِ، وَلَكِنْ قَالُوا:
(١) تقدم تخريجه برقم (٢).
(٢) صحيح، وهذا إسناده ضعيف لأجل الحماني؛ متهم، أخرجه المصنف في الرد على الجهمية (١٩١)، وقد صح هذا المعنى عن ابن المبارك، وينظر السنة لعبد الله بن أحمد (١٩)، والثقات لابن حبان (٩/ ٦٥).