حياة السمناني المضطربة:
هذا المصنف المثقف المتعدد جوانب الفكر والثقافة النقادة الفاحص المتأمل لم يها في حياته بما يحقق له العزة والكرامة وإن بلغ في زمن نظام الملك مرتبة "صاحب الخبر" فقد نكب منذ اللحظة التي حملت فيها أمه في نسبه حيث شاءت الأقدار أن تحمل به أمه وأن تناصبها العداء زوجة حرة فتحمل زوجها على بيع تلك الجارية المنكودة قبل أن تظهر عليها علامات الحمل لمن يحملها إلى خارج العراق ويسدل الستار عليها وعلى من ستلده.
كانت حياة السمناني إذن مضطربة قاسى فيها الأمرين من الشدائد والآلام في مجتمع كان يضع أبناء الجواري في منزلة دنيا، ولا يفسح لهم مجال التقدم إلا بشق الأنفس، فقد ولد من جارية ولادة مغمورة ونشأ في رحبة مالك بن طوق على الفرات، بعيدًا عن كنف أبيه محرومًا من شفقته ومن أخوة أخيه لأبيه، ولكنه تمكن من شق طريق الحياة بصبر وأناة وكانت أمه حريصة على أن ترفعه إلى المنزلة التي أريد إقصاؤها عنها فدفعته إلى دور العلم وأوصته أن يعود أدراجه إلى موطن آبائه وأجداده إلى العراق ليدرس الفقه على الدامغاني قاضي القضاة، ويبلو خلو الحياة ومرها فتمكن من شق طريق الحياة بصبر وأناة ولم يعلن الثورة على المجتمع إعلان مستهتر بالقيم والتقاليد ولا إعلان ناقم على الأوضاع والنظم ولكنه أعلنها إعلان مؤمن بالحق والمثل العليا ووجد ضالته في القضاء فتمسك بكل ما يحقق مثله الأعلى فيه من شروط الكمال فبرهن بذلك على أصالة نفسه وكان- كما قيل- كثير الشبه بأبيه.
وحين تمكن من ثقافة عصر وبلغ فيها ما بلغ توفي أخوه من الزوجة الحرة، فأراد أن يثبت نسبه من أبيه، وأن يبرهن أن أمه الجارية كانت في الحقيقة أم ولد، وأنها حملت به من قاضي الموصل أبي جعفر السمناني، ولكنه أخفق في إثبات هذا النسب، ولم يلتفت إلى دعواه قاضي القضاة رغم شدة الشبه بينه وبين أبي جعفر السمناني، فقد طعن النسب بأنه: لا تصح منه الدعوى
1 / 22