يخيل للإنسان عادة أن الإسكندر وقيصر قد خرجا من بلادهما قاصدين فتح العالم، وليس الأمر هكذا مطلقا، فالإسكندر قد خلف فليب في رئاسة اليونان وفوض إليه أن يغير انتقاما للأغارقة من إهانات ملك الفرس ، فلما هزم العدو المشترك واصل فتوحه حتى الهند؛ وذلك لأن مملكة دارا كانت تمتد حتى الهند، شأن دوك مارلبورو الذي كان يصل إلى ليون لولا المريشال فيلار.
وأما قيصر فقد كان من أكابر الجمهورية، وقد ساء ما بينه وبين يونبي، كما وقع بين الينسينيين والمولينيين، فتوقف الأمر على من يقطع دابره، وتقع المعركة حيث لم يقتل أكثر من عشرة آلاف رجل، ويتقرر كل أمر.
ومع ذلك فإن رأي مسيو بسكال فاسد من كل ناحية على ما يحتمل، فكان لا بد من رشد قيصر لتبين المكايد الكثيرة، ومما يثير الحيرة أن كان يعدل من هو في مثل سن الإسكندر عن اللهو كيما يقوم بحرب شاقة جدا. (51)
ومن المضحك أن يوجد في العالم أناس أعرضوا عن جميع شرائع الرب والطبيعة، فوضعوا لأنفسهم منها ما يطيعونه تماما، كاللصوص مثلا ... إلخ.
هذا أيضا أكثر فائدة في إنعام النظر من أن يكون مضحكا؛ وذلك لأن هذا يثبت عدم استطاعة مجتمع أن يبقى قائما يوما واحدا بلا قواعد. (52)
ليس الإنسان ملكا ولا حيوانا، ومن الشقاء أن يكون حيوانا من يريد أن يكون ملكا.
ومن يرد أن يقضي على الأهواء بدلا من تنظيمها يرد أن يكون ملكا. (53)
ولا يحاول الحصان أن يجعل قرينه يعجب به مطلقا، ويرى بين الحصن ضرب من التنافس في السباق، ولكن بلا نتيجة؛ وذلك لأن أثقلها وأسوأها تقويما لا يتخلى، وهو في الإصطبل، عن شيء من جلبانه لهذا السبب، والأمر غير هذا بين الناس، فلا تقنع فضيلتهم بنفسها، وهم لا يقنعون إذا لم يستغلوها حيال الآخرين.
وكذلك الإنسان السيئ التقويم لا يتنزل عن خبزه للآخر، فالأقوى ينزعه من الأضعف، والكبار بين الحيوان - كما بين الإنسان - تأكل الصغار. (54)
ولو أخذ الإنسان يدرس نفسه بنفسه لأبصر مقدار عجزه عن ترك ذلك، وكيف يقع علم الجزء بالكل؟ قد يتطلع - على الأقل - إلى معرفة الأجزاء التي يوجد بينه وبينها تناسب، ولكنه يوجد بين أجزاء العالم من الصلة والتسلسل ما يتعذر معه معرفة أحدها من غير معرفة الآخر ومن غير معرفة الجميع.
Shafi da ba'a sani ba